تحوّل استهزاءُ الوزير جبران باسيل بمضمون ورقة التفاهم قبل أن يُنشر، القشة التي قصمت ظهرَ سرّية الوثيقة فنشرتها «القوات اللبنانية» في اليوم التالي مذيّلةً بتواقيع باسيل ومتضمِّنةً التفاصيل التي باتت معروفة.
قد يكون من المفيد سرد وقائع صغيرة، في يوم معراب العاصف، حين وقّع باسيل الوثيقة، فقد احتسب حساب الايام الآتية، لكنّ اصراراً في معراب جعله يوقع الوثيقة ورقة، ورقة، وقد كانت «القوات» تتوقع قدوم يوم التملّص، فاحتاطت بورقة صيغت بتفاصيل التفاصيل، من الحكومة الى الادارة حيث سُميت المواقع بأسمائها (قيادة الجيش وحاكميّة مصرف لبنان)، وقد كان باسيل يريد تجاوز «القوات» في تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان المركزي، تماماً كما فعل في كل التعيينات، وكذلك في اشتباكه مع «القوات» حين أنكر وجود اتفاق على آلية التعيينات داخل الحكومة.
تعود مصادر «القوات» بالذاكرة الى تلك المرحلة وتميّز بنحو واضح بين باسيل والرئيس ميشال عون، وتصبّ عليه مسؤولية الخروج من «اتفاق معراب» وإحباطه.
تشير المصادر الى أنّ باسيل ضرب «اتفاق معراب» منذ اللحظة الاولى، فهو في الوقت الذي كان يطالب بالتنسيق لدعم العهد، رفض تأليف لجنة تنسيق مشتركة، وفي الوقت الذي كانت وثيقة التفاهم تؤكد توزيع الشراكة في الحكومة والادارة، تجاهل الامر، والدليل هو الطرح المناقض للوثيقة الذي يتعلق بحصة وزراء عون التي هي 3 وزراء في حكومة ثلاثينية فيما طلب باسيل 5 وزراء، فقط لتحجيم حصة «القوات اللبنانية».
وتضيف المصادر أنه في الوقت الذي اعلن الدكتور سمير جعجع هدنة إعلامية من «بيت الوسط»، وفي الوقت الذي زار القصر الجمهوري، ثم عاد فاتّصل بباسيل، وأوفد له الوزير ملحم رياشي، كان باسيل يخرق هذه الهدنة محمِّلاً «القوات» مسؤولية ضرب «اتفاق معراب»، ومتّهِماً إياها بأنها تختار الطبق الذي يناسبها من هذا الاتفاق، فيما هو يفعل هو مَن يقوم باجتزاء وتحوير الاتفاق، وتشير الى أنّ مجرد ايحاء باسيل بأنه غيرُ مبال بنشر وثيقة وقّع عليها، جعل «القوات» تشعر انه لم يعد هناك بدّ من إعلان هذه الوثيقة، لكي تخرج من الظلّ الى متناول الرأي العام وهو الذي يحكم.
واشارت مصادر «القوات» الى أنّ باسيل يمارس تضليلاً في موضوع دعم العهد، فـ»القوات» أبدت استعدادَها منذ البداية لتكوين فريق عمل واحد لدعم العهد، في السياسات العامة وادارة الدولة، لكن فوجئت بأنه تمّ إقصاؤها عن القرارات الكبرى، وهذا يتحمّل باسيل مسؤوليته، فسياسته لم تعد تركّز على دعم العهد بل على وراثته، وهناك فارق كبير بين السياستين، لأنّ الأجندة الرئاسية لباسيل باتت عنواناً للأحادية والنكث بالتعهّدات، والإستئثار.
ماذا تقول اوساط «التيار» عن نشر الوثيقة، وبماذا تفسّر نقضَ التعهّدات والتواقيع؟ تؤكد أوساط «التيار الوطني» أنّ العلاقة مع «القوات» دخلت في نفق حين حرّضت على حكومة الرئيس سعد الحريري وساهمت في الدفع الى استقالته مع علمها أنّ استمرارَ هذه الحكومة هو شرط من شروط دعم العهد. وتشير هذه الاوساط الى أنّ الوثيقة لم تعد لها أيّ قيمة، بعد أن خرقت «القوات» مبدأ دعم العهد، وتدعو «القوات اللبنانية» الى عدم التركيز على إحداث ضجّة مصطنعة بعد نشر الوثيقة، والى اعادة قراءة موقفها من تشكيل الحكومة وعدم التطلّع الى نيل حصة وزارية من حصة التيار.
وتختم الأوساط بالتأكيد أنّ التفاهم بين باسيل والحريري هو في ذروته، وأنّ الأخير لا يتبنّى مطالب «القوات» ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بل ينقلها. وتكشف أنّ لقاءً حصل في اليومين الماضيين بين الحريري وباسيل في باريس، وتمّ التفاهم فيه على الخطوط العريضة لعملية تأليف الحكومة.