IMLebanon

هذا ما سيسمعه بان في بيروت اليوم

يتوّج الأمين العام للأمم المتحدة اليوم مسلسل زيارات الموفدين الدوليين الى لبنان لمواكبة ملف النازحين. وفي الوقت الذي لا ينتظر فيه اللبنانيون من الزيارة أيّ إنجاز، فهم على استعداد ليصارحوه بالحقائق ويطالبون عبره المجتمع الدولي بدورٍ أكبر ليس لإغاثة النازحين بل لإعادتهم الى بلادهم. فهل يمكنه تلبية شيء من مطالبهم؟

لن يملّ المسؤولون اللبنانيون من تذكير المجتمع الدولي بالدور المطلوب لمواجهة نتائج الأزمة السورية وانعكاساتها الخطيرة على الساحة اللبنانية وساحات دول الجوار السوري مع لفت النظر الى أنّ الساحة اللبنانية كانت وستبقى الأكثر تأثراً من نظيراتها.

فلبنان ليس قادراً على استيعاب مزيد من النازحين الذين أرهقوا مختلف وجوه الحياة الإقتصادية والإجتماعية والطبية والتربوية والصحية اللبنانية فضلاً عن الأمنية منها، والتي تهتز يومياً على وقع الجرائم التي يرتكبها النازحون والتي بلغت نسبة تقارب الـ80 في المئة من الجرائم المرتكبة منذ أربعة أعوام إلى اليوم وقد إزدحمت السجون اللبنانية بهم.

وتأتي زيارة بان التي ستبدأ اليوم ويرافقه فيها رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ورئيس البنك الإسلامي للتنمية أحمد محمد علي في أدقّ توقيت تمرّ به الأزمة السورية التي تعيش ساحاتها وجوهاً عدة ممّا بلغته الأزمة على أكثر من مستوى.

فإلى العمليات العسكرية المستمرة في العشرات من المواقع والجبهات المشتعلة على مساحة سوريا، هناك وقفٌ للنار يُطبّق برعاية روسية – اميركية في مناطق محددة وفق تصنيفٍ جديد للمجموعات الإرهابية بعدما استثني بعض الفصائل من لائحة المنظمات التي ما زالت تخضع لمنطق الحرب المفتوحة عليها.

كلّ ذلك يجري في وقت ما زال العالم ينتظر نتائج المفاوضات المتعثرة في جنيف لتبيان قدرة الوساطة الدولية والأممية على الإنتقال بالأزمة من مظاهرها العسكرية الى السياسية، وسط صعوبات وتعقيدات قد تعيد التوتر بصورة شاملة الى مختلف المناطق.

وهي وقائع متوقعة في ظلّ تداعيات محاولة الإنفصال الكردية وتنامي قوة «داعش» في مناطق عدة والفشل في ترتيب المرحلة الإنتقالية والإصرار على توحيد القوى الدولية في مواجهة الإرهاب والذي أفسح الإنسحاب الروسي الجزئي الباب واسعاً أمام سلسلة من السيناريوهات المتعددة التي قد توحّد الجهود الدولية في مواجهة «داعش» وأخواتها.

هذا على المستوى الإقليمي والدولي، أما على المستوى اللبناني فإنّ بان وعد اللبنانيين منذ أشهر بزيارة خاصة الى لبنان وهو يستعد للإيفاء بها. وعلى رغم إصراره سابقاً على ألّا تكون الزيارة قبل انتخاب رئيس الجمهورية كما أبلغ بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة والزوار اللبنانيين، فقد قرّر القيام بالزيارة لمناقشة المسؤولين اللبنانيين في أسباب التعثر في انتخاب الرئيس وسلسلة عناوين تعني الأمم المتحدة واللبنانيين ومنها ما يتصل بدور القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان.

وعلى هذه الخلفية، فقد أصرّ بان على معاينة الوضع في لبنان مباشرة والإطلاع على حجم النزوح السوري الذي رفع من نسبة الغرباء على الساحة اللبنانية الى أكثر من النصف نسبة الى شعبه والمقيمين على أرضه.

وفي وقت بدأ الجدل حول عدد النازحين السوريين، أفادت إحدى الإحصائيات أنّ ولادات الاطفال السوريين على الأراضي اللبنانية بلغت نحو 135 الفاً ليرتفع عدد النازحين الى مليون و375 الف سوري على الأقل، من بينهم نحو 225 الفاً يحتاجون الى التعليم، ويسعى أكثر من 750 الفاً لدخول سوق العمل في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والحرفية وفي المؤسسات والمراكز التجارية وقطاع البناء والزراعة، عدا عن الخدمات الصغيرة وأعمال الصيانة والكهرباء والخدمات اليومية بالإضافية الى الساعين للعمل في القطاع الخاص التجاري والإداري والمصرفي كما الطبي والإستشفائي وتكنولوجيا المعلومات.

ولذلك، سيبقى نحو 265 الف سوري من الرجال والنساء على لائحة المحتاجين الى العون الإنساني والإجتماعي اليومي لعجزهم عن العمل. ويُضاف اليهم ما يزيد على 370 الف فلسطيني موجودين سابقاً في لبنان وأضيف اليهم ما يقارب 45 الفاً حضروا من مخيمات سوريا ومن بينهم ما يزيد على 20 الفاً من مخيمات دمشق وأكبرها مخيم اليرموك الذين أخرجوا منه الى مناطق سورية ولبنانية مختلفة.

لن يستغرب بان كي مون هذه الإحصائيات فهي واضحة بعناوينها الرئيسة وسبق أن طرحت عليه وناقشتها المؤسسات الأممية برعايته ومعرفته. فلم يسجل انتقال اكثر من 55 الف سوري من لبنان الى اوروبا والعالم الغربي.

ذلك أنّ اللبنانيين لم يقودوا موجات النزوح الى الغرب كما فعل الأتراك بشكل منظم بل تركوا الحرّية لمَن شاء اللجوء الى بلدان عدة كما حصل بالنسبة الى بريطانيا وكندا والمانيا والسويد وبعض الدول الأخرى أو مَن التحق بأقارب له في اميركا اللاتينية وافريقيا اللتين استقبلتهم تحت شعار لمّ شمل العائلات السورية.

والى ما تقدم سيسمع بان شكراً لبنانياً على التقدير الدولي لحسن الضيافة اللبنانية على رغم أنه مشروط ببقائهم على أرضه. ولكن سيكون ذلك مقروناً بموقف لبناني شبه موحّد يدعو الى مؤازرة لبنان في كلفة النزوح وتداعياته على البلد واقتصاده الهش وقطاع الخدمات غير المتوافرة لأبنائه قبل غيرهم من اللاجئين وتوفير الدعم للقطاعات الحيوية.

فمنطق التوطين مرفوض ومطالب بعض المنظمات الدولية بتحسين ظروف العمل وتوسيع الترخيص به ليشمل مهناً إضافية لن يمرّ بسهولة مع اقتراحات متعددة بشأن تسهيل اعادة النازحين الى المناطق الآمنة حيث من السهل عليهم العيش في بلادهم وفي بيئتهم الطبيعية، وهو أمر سينعكس على تسهيل طرق الإغاثة فتصل الى مستحقيها إن كان ذلك يعني المجتمع الدولي.

وفي النهاية، يدرك المسؤولون اللبنانيون أنّ الزيارة لن تقدم أو تؤخر، فالقرار المتخذ ببقاء لبنان مستودعاً للنازحين أكبر من بان ومؤسسته الدولية، ولذلك ستكون الزيارة مناسبة للدعاية السياسية والإعلامية وتوجيه الرسائل الى العالم.

لكنّ ذلك لن يغني فقيراً ولن يشكل حلاً للمعضلات التي قد تتفاقم في لبنان ما لم تحزم الدولة أمرها بالإمساك بالملف من الأطراف السياسية والأمنية فلا تقبل بحلول أو مخارج تأتي بنتائجها الكارثية على التركيبة اللبنانية الدقيقة بوجوهها الديموغرافية والأمنية والإقتصادية الأكثر دقة وحرجاً.

ولكن ما هو ذنب العالم ومسؤوليه وبان في مقدمهم إن لم يعِ اللبنانيون حجم المخاطر المتأتية من استمرار الشغور الرئاسي والشلل النيابي وما يهدد الحكومة من حال مماثلة.