تدوخ ماكينة الممانعة المحلية على مدار الساعة وتدوّخ مريديها معها. تقول الشيء ونقيضه، وتصعد على سلّم قراءاتها ولا تعرف كيف تنزل عنه. تأتيها اشارات متناقضة من المصدر فتختار الاسهل، أي البقاء عند نصوصها الصِدامية (الصدّامية!) المألوفة والبناء عليها، فيما واقع الحال (الايراني) لا يعرف كيف يثبت على حال!
وحدها هذه الماكينة تقول في اليوم الاول ان ايران انتصرت في «اتفاق فيينا» ثم تقول في اليوم الثاني ان ألغام هذا الاتفاق ليست قليلة ولا بسيطة ولا هيّنة.. ولا يُسكت عنها! ووحدها هذه الماكينة تفترض ان اليمنيين «يرسخّون» المدّ الثوري والتنويري لجماعة إبن حوث من خلال عودة عدن وقرب عودة تعز وما بينهما من متفرقات مماثلة لقاعدة «العند» الاستراتيجية، الى حضن الشرعية الدستورية!
قبل الآن بنحو ربع ساعة، كانت ماكينة هذه الممانعة المحلية ذاتها تردح على العالي بأن «العدوان السعودي» لم يحقق شيئاً ولن يحقق شيئاً.. وان اليمن صار درّة الهلال التنويري الحداثي الايراني، بل راح بعيداً باتجاه دولة «الولي الفقيه» واستقر هناك! بل ان بعض البريد الايراني، لم يجد سوى هذه الماكينة لتمرير كلام كبير، أو بالأحرى كلام صغير بمصطلحات كبيرة، يتحدث عن القدرات الزلزالية للانقلابيين حتى في الداخل العربي السعودي!
ووحدها هذه الماكينة مصرّة على ان بشار الاسد «يدعّم» سلطته في عموم سوريا. ولا يتوقف لحظة واحدة عن تلقين «الارهابيين التكفيريين» الدرس تلو الدرس، ومن تخوم الجولان الى أعزاز. ومن القلمون الى حرمون. ومن دمشق الى دير الزور. ومن داريا الى سهل الغاب.. وان معظم الحراك الديبلوماسي الفالت على غاربه وشارقه في هذه الأيام، إنما يستهدف «إقناعه« (أي الأسد) بالتخفيف من حدّة عقوباته ضد الشعب السوري الذي ضلّلته دول الجوار وأخذته الى مهاوي القتل والتشريد.. ومن ثم «القبول» ببقائه حاكِماً مدرِّساً معلماً مهذّباً للرعاع الذين خرجوا عليه وعلى فضائله ولم يعرفوا كيف يستفيدون من «لحظته» في التاريخين العربي والاسلامي!
وحدها هذه الماكينة تعتبر في يوم، ان ايران «تقرش» مكاسبها الاقليمية كدولة «عظمى» في المنطقة بعد إذعان العالم (كله؟) لارادتها النووية.. ثم تقول في يوم آخر، ان القسمة تمّت ولم يبقَ من نجوم الهلال الفارسي الممتد من اليمن الى شواطئ المتوسط في بيروت، سوى العراق «حصة» لطهران، فيما توزعت القوى الاقليمية والدولية الأخرى باقي نجوم الهلال ووضعتها على اكتافها!
وحدها هذه الماكينة تنسب الى الروس كلاماً ومواقف تهدّ الجبال والوديان والمحيطات والشطآن والدول والأمم والشعوب والقارات.. ثم تنشر في اليوم التالي مقاربات رسمية روسية فيها تفاهمات مع واشنطن واقترابات من السعودية، وتناغمات مع الأتراك.. واشارات سلبية باتجاه النظام الاسدي تصل الى مجلس الأمن وضرورة تحديد هوية «المجرم» الذي يستخدم الأسلحة الكيماوية في سوريا!
وحدها هذه الماكينة تندب جرائم الصهاينة ضد الفلسطينيين، وأحدثها حرق الطفل علي دوابشة وتزغرد (حرفياً) لجرائم الفتك بأهل سوريا، صغارهم وكبارهم، أرواحهم وأرزاقهم، عمرانهم وكراماتهم!
وحدها هذه الماكينة تصرّ على البقاء في المصحّ، فيما غيرها وأولهم أربابها و»أصحابها الشرعيون» في طهران، يحثّون الخطى لمحاولة الخروج الى الضوء والواقع والحقائق!