Site icon IMLebanon

هذه «المعارضة الوطنية»

بحسب النقاط التي أوردتها وكالة «رويترز» لتصور الحل السياسي المطروح في سورية، سيبقى بشار الأسد رئيساً حتى نهاية ولايته على أن يحل مكانه رئيس علوي آخر «أقل إثارة للانقسام» وسط توزيع غير معلن لمناطق النفوذ بين تركيا وروسيا في دولة فيديرالية.

تبدو المقترحات أعلاه أشبه بورقة افتتاحية لاستهلال المفاوضات السياسية المرجح عقدها الشهر المقبل بعد تكريس وقف إطلاق النار الذي أعلن في موسكو أمس. وتستند المقترحات إلى موازين القوى الحالية حيث أصيب المجتمع السوري الذي أنتج الثورة في 2011 بعطب كبير نتيجة عمليات القتل والتهجير المنهجية والسعي الجلي إلى تغيير الحقائق السكانية في المناطق المحيطة بدمشق وحلب وغيرهما.

يضاف إلى ذلك أن الفكرة القائلة بتعيين علوي بعد انتهاء ولاية الأسد الحالية، ترمي إلى إشهار هزيمتين: هزيمة الإسلاميين بألوانهم كافة، وهزيمة الديموقراطيين الذين اعتقدوا أن الانتخابات الحرة ستفضي حكماً إلى نهاية «أبد» آل الأسد الطائفي، وما رافقه من تسلط فئوي مديد.

وعلى ما في الأمر من مفارقة، تبدو الأفكار المذكورة أقرب ما يكون إلى تصورات ما يسميه النظام «المعارضة الوطنية». هذه المعارضة التي تضم شرائح طائفية – طبقية يتخذ بعضها من شعارات اليسار نبراساً يخفي تحته انحيازاته الحقيقية، هي في واقع الأمر معارضة للمعارضة. أو بكلمات ثانية، معارضة للثورة على النظام بذرائع تبدأ من السمة الإسلامية للثورة وصولاً إلى العداء الصريح للطبقات الفقيرة والمطالبة بمسح مناطق سكنها العشوائي حول دمشق وحلب بالجرافات.

ما من شك في أن معارضة علمانية زائفة ستجد حليفها الطبيعي في تجار المدن الكبرى وبرجوازيتها التي انتفعت من النظام على مدى عقود، رغم اشمئزازها من جلافة ضباطه الريفيين في بعض الأحيان. فأطلقت على استيائها هذا اسم «معارضة». وبين هذه وبين الانتفاضة العارمة التي أطلقها مواطنوهم الأفقر والأصرح في التعبير عن مشاعرهم ومصالحهم، بون شاسع. عليه، يمكن فهم آليات تفكير وعمل هذا التحالف الأقلوي (المسيحي – العلوي) – السنّي، الطائفي – الطبقي في آن.

يرفض هؤلاء «العلمانيون» و «اليساريون» و «المعارضون» الاعتراف بطبيعة المجتمع السوري وانقساماته والعوامل العميقة التي حركت ثورته (والتي أدت، بعد ذلك، إلى عجزها عن صوغ برنامج سياسي موحد وإفراز هيئة سياسية وجسم عسكري جديين)، فيلاقيها في رفضها هذا نظام الأسد الذي يضمن لها حريتها في التعبير عن هواجسها المعادية للمجتمع، الفقير المسحوق المطرود من أماكن سكنه والمعرض للإذلال على أيدي مسلحي الميليشيات الشيعية في حلب وريف دمشق، على سبيل المثال لا الحصر، مقترحاً اقتلاعها وإبعادها إلى ما وراء الحدود.

عليه، يصبح معيار المعارضة هو النجاح في افتتاح معرض للوحات عارية في دمشق كدليل على التصدي للهجمة الظلامية الإسلامية، وليس السعي إلى وقف قتل المدنيين جماعياً والمطالبة بالإفراج عن عشرات الآلاف من المعتقلين الذين يعانون صنوف الموت في زنازين الأسد، والشروع في عملية سياسية حقيقية تقود إلى تغيير يتناسب مع هول التضحيات التي قدمها السوريون من أجل الكرامة والحرية.

لذا، يبدو الفارق بين المعارضتين السوريتين، أفدح وأعمق مما بينهما وبين نظام الأسد. هو بالضبط الفارق بين مجتمعين، خاضع يؤجل البوح باعتراضه إلى أن تتوافر الشروط الذاتية والموضوعية التي يختزنها في خياله التافه، وبين آخر ثائر نزل إلى الساحة مطالباً بالحرية رغم تكاثر حراب الغدر والخيانة.