محادثات «الأمير العسكري» لـ«داعش» في طرابلس:
حاول محمّد الأيوبي مراراً أن يتنصّل من التّهم الكثيرة المسندة إليه. فهو ليس متهماً عادياً، وإنمّا متّهم بأنّه كان «الأمير العسكري» لتنظيم «داعش» في طرابلس، وأنشأ خليّة مؤلفة من 7 أشخاص لهذا الهدف بعد أن تمّ تكليفه بهذه المهمّة خلال زيارة إلى الرقّة، حيث بايع «داعش» والتقى المتحدّث الرسمي باسمه أبو محمّد العدناني.
الرواية التي سردها الأيوبي عن رحلته إلى سوريا عبر تركيا، قد تكون واقعيّة وقد تكون أيضاً من وحي خياله لإبعاد شبهة الإرهاب عن نفسه. وبرغم ذلك، بقي الموقوف على روايته، يعيدها ويدخل في تفاصيلها عشرات المرّات لدى إلحاح رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم.
وكان المدعى عليه الثاني في التّهمة نفسها وقف إلى شماله.. إنّه ابراهيم بركات الذي يتردّد أنّه كان «الأمير الشرعي» لـ«داعش» في طرابلس والمنتمي إلى المجموعة نفسها، حيث تمّ إلقاء القبض عليه في آذار الماضي. العلامة الفارقة في وجه الرّجل هي لحيته البيضاء من جهة اليمين فقط. لم يغزها الشيب وإنّما ربّما هو عامل الوراثة.
لم ينطق «أبو بكر» إلا بجملة واحدة، إذ أنّ أوان استجوابه لم يحن بعد. هو فقط يكتفي بهزّ رأسه تارةً أو رسم ابتسامة خفيفة على طرف فمه كعلامةٍ على الاستغراب والاستهزاء.
استمع بركات بتمعّن لاستجواب الأيوبي، الذي أشار إلى أنّ ذهابه إلى تركيا ثمّ دخوله إلى غازي عنتاب كان بقصد كسب المال من أحد المسؤولين الذي كان ينتمي إلى كتيبة «بشائر النّصر» التابعة لـ «الجيش السوري الحرّ»، وسرعان ما أعلن مبايعته لـ«داعش» بعد استشارة الأيوبي الذي حمّسه على المضيّ قدماً ومبدياً إعجابه بالتنظيم.
يصرّ «أبو أيوب» أنّ الرحلة وحتى كلام الإطراء لـ«داعش» هدفهما واحد: المال، بعد أن تعرّف إلى مقاتلين سوريين أثناء تلقيهما العلاج في أحد المستشفيات الطرابلسيّة، هما سامي كريم الملقّب ب «أبو الوليد السعودي» ومحمّد شيباني الملقّب بـ «أبو حمزة».
بقي على تواصل معهما، فيما كان «أبو الوليد» يريد «ردّ الجميل» للرجل الذي ساعدهما على مدى أشهر، ثم صار يشتكي من تدهور أوضاعه الماديّة.
وعلى الفور، فضّل الأيوبي السفر إلى تركيا عبر البحر، بعد أن جمع عناصر مجموعته التي كانت تقاتل في أحداث طرابلس أو تقوم بحراسة «مشروع الحريري»، كما يقول، وهم: أكرم العمر الملقّب بـ«أبو مصعب» وعلي عويضة الملقّب بـ«أبو بكر»، وبلال شبيب الملقّب بـ«أبو مصعب»، ومصطفى وردة الملقّب بـ«أبو أسامة» والفلسطيني إيهاب الزغل الملقّب بـ«أبو أسامة» وجهاد الشافعي الملقّب بـ«أبو عمر».
أبلغ الرجل عناصره ثم بركات بقرار السفر لأيّام بغية الاجتماع بقياديي «داعش»، ليعجب بركات بالفكرة ويصرّ على مرافقته. يشير الأيوبي خلال استجوابه أمام «العسكريّة»، أمس، إلى أنّ بركات توجّه إلى اسطنبول لتصديق بعض الإفادات كونه يملك معهداً لتدريس الشريعة الإسلاميّة، ولم يره إلا بعد أيّام. في حين تؤكّد الإفادات الأوليّة للرجلين أنّهما كانا سوياً خلال زيارة أحد مقرات «داعش» في «عاصمتها»: الرقّة.
وعن سبب توجّهه إلى اسطنبول ومعه أكثر من 20 ألف دولار أميركي، يجيب بركات (يُعرف بأنّه كان ممولاً من أحد المشايخ السلفيين في أستراليا) أنّه أخذ المبلغ معه ولم يتلقاه من سوريا، فهو كان يريد أن يشتري الثياب.. ومع ذلك لم يفعل!
وللأيوبي رواية مماثلة، فهو التقى هناك «أبو الوليد» ومكث في أحد مخيمات اللاجئين السوريين لأكثر من أسبوعين، ليذهب بعدها إلى جرابلس ثمّ إلى غازي عنتاب حيث وافاه بركات، ثم يعود أدراجه إلى لبنان إثر تلقيه خبر إلقاء القبض على عنصر مجموعته أكرم العمر.
وبرغم كلّ ذلك، لم يحصل الرجل على المبلغ الذي وعد به للعمل، فقام بإرسال رسالة إلى أحد أفراد مجموعته بلال شبيب قائلاً: «حضّر حالك للسفر إلى تركيا»، ليقوم الأخير بالذهاب إلى تركيا بعد عودة الأيوبي منها وقبض مبلغ عشرين ألف دولار أميركي!».
حاول الأيوبي سرد روايته بإحكام، ولكنّ «الضربة القاضية» جاءته من العميد خليل ابراهيم: إنّها محادثاته على «واتس اب» (من رقم خارجي أعطاه إياه أبو الوليد) التي روى فيها للعمر تفاصيل زيارته إلى الرقة حيث استقبله «أبو طلحة الألماني» (يعتقد أنّه مغني الراب الألماني دنيس كوسبرت الذي يعتبر من الحلقة الضيّقة في التنظيم وتردّد أنّه قتل في نيسان الماضي) ثم حضر «إقامة حدود الله» (الإعدام) على أحد الأشخاص الذين يكفّرون «داعش».
ولم يكتفِ «أبو أيوب» بذلك، وإنّما سرد لصديقه وشريكه تفاصيل لقاءاته مع قياديين في التنظيم، ولا سيّما أبو محمّد العدناني الذي كلّفه (بعد إعلان المبايعة) بأن يؤلف خليّة من 6 أشخاص ويكون هو «الأمير العسكري» في طرابلس، على أن يكون بركات «الأمير الشرعي».
كذلك، تحدّث الأيوبي في هذه المحادثات عن الخلافات مع بركات الذي قدّم «مشروعا متكاملا للدولة»، خصوصاً أنّه يملك مشروعا للطبابة ومعهدا شرعيا وهو عسكري سابق ولديه تمويل من أستراليا وبدا أنّه استاء من تعيينه (الأيوبي) أميراً عسكرياً. وقال الأيوبي للعمر: «كان بدّو يوصل بس عن هبل مش عن ذكا، بدو وقت ليجلّس، ولكن قطعولوا الطريق، فأبو الوليد قال إن الحاج (الأيوبي) عسكري وأنتَ شرعي». وعندها، طلب العمر مبايعة «داعش» شاتماً الجيش اللبنانيّ، ليسأل الأيوبي عن كونها «بيعة خاصة أو بيعة عصبة (مجموعة)».
وفي آخر محادثة بينهما، أسرّ «أبو أيوب» لصديقه، أنه «سيعقد آخر اجتماع مع الأمير الحربي ثم نعود».
بالنسبة للأيوبي، هذه كلّها «مزحة»! هكذا أجاب الموقوف عندما أبرز له العميد ابراهيم هذه المحادثات، مشيراً إلى أنّ لا علم له بها، بل إنّ الهاتف كان مع «أبو الوليد» الذي كان يمازح العمر، مؤكداً أنّ لا علاقة له بـ «داعش» ولم يزر الرقة ولا يعرف العدناني إلا عبر التلفزيون.
وبعد استجوابٍ دام لأكثر من ساعة تخلله استجواب الموقوف رامي كنجو الذي نفى علاقته بـ «داعش»، مؤكداً أنّ أحد الأشخاص التابعين للأيوبي طلب منه تخبئة بركات ولكنّه رفض، أرجأ العميد ابراهيم الجلسة إلى 6 أيّار المقبل لاستكمال الاستجواب.