IMLebanon

تلك البوسطة قبل 40 سنة!

الساعة الثانية إلا خمس دقائق بعد ظهر الأحد 13 نيسان 1975، كان لبنان الأخضر الحلو لا يزال يتمتّع بلقب سويسرا الشرق، فضلاً عن كونه يحمل صفة الجسر بين الشرق والغرب.

وكانت بيروت تحمل بدورها لقب عاصمة العرب وملتقى النخب الثقافية والاقتصادية والإبداعية في شتَّى الحقول، ومقصد أثرياء العالم بمختلف هوياتهم وهواياتهم. كل ما يطلبه الباحث عن الجمال والرفاهية والأناقة والحداثة والأمان والسعادة كانت العاصمة اللبنانية توفّره بصفة دائمة.

الساعة الثانية وخمس دقائق حصل ما يشبه الزلزال الذي يقلب ويخرب بأسرع من لمح البصر. بوسطة كبيرة الحجم تنقل عدداً كبيراً من الفلسطينيّين، قرّر سائقها أن يعبر طريق عين الرمانة إلى حيث يتجه ويقصد. لدى وصول البوسطة إلى أول شارع مار مارون في حي المراية قيل إن الرصاص انهمر عليها فجأة. وقيل العكس، كما قيل إن الرصاص صدر من داخل البوسطة. وقيل إن طابوراً خامساً في الدقّ. وقيل أيضاً وأيضاً إن جهاز مخابرات تابعاً لدولة عربية هو الذي افتعل وفعل وصنع، ودبّر كل ما نَجَم عن الحادث، وكل ما حصده لبنان من ذيوله… ولا يزال حتى اليوم.

الساعة الثانية والنصف بعد ظهر اليوم نفسه كنت أدندن مع بعض الأقرباء والأصدقاء أغنيات لفيروز حول مائدة الغداء، حين رنّ الهاتف. – مَنْ الهاتف الداعي؟

– قال: الأستاذ غسان.

– خير إن شاء الله، أهلاً بالأستاذ تفضّل تغدّى معنا.

لم يدعني أكمل: بلا غدا بلا بلوط، خرب البلد. حالاً وسريعاً لاقيني عَ التاسع. وأقفل الخط.

شو صاير يا جماعة؟

بلا طول سيرة، حملت حالي وتوجّهت إلى “النهار”.

حين وصلت إلى الطابق التاسع وجدت حشداً من الزملاء والأصدقاء والسياسيّين، الذين كانوا يعتبرون “النهار” بمثابة المرجع الوحيد الذي يركنون إلى أخباره ويلجأون إليه في الأزمات. ولم أرَ من قبل عبوساً بهذا الحجم وهذا اللون يغطي وجه غسّان تويني الذي طالما تغلّب على المحن والكوارث والأحداث برباطة جأش نادرة، وبوجه لا تفارقه الابتسامة حين يكون الحدث مؤثّراً.

انتقلنا معاً إلى قاعة الاجتماعات، وشرعنا في الاتصالات بالقيادات والمرجعيّات السياسيّة التي كان لها وزنها ودورها. اثنان بقي كلامهما في رأسي وذاكرتي حتى الساعة الرئيس صائب سلام والعميد ريمون إده.

والاثنان التقيا على تسمية مَنْ يعتقدان انه وراء الجريمة الكبرى. كما التقيا على القول إن المستفيد الأكبر إسرائيل. وكلاهما أبدى تخوّفه من أن تكون رصاصات شارع مار مارون قد أصابت من لبنان مقتلاً. والاثنان الكبيران كانا على حقّ وحال لبنان اليوم يؤكّد ما ذهبا إليه قبل أربعين سنة.