IMLebanon

الممانعون «يحرقون» مراحل الحل في سوريا

أكثر ما يشغل بالَ «حلفاء سوريا في لبنان» هذه الأيام، هو محاولة دفع الحكومة اللبنانية إلى التنسيق مع النظام السوري. فلا يكاد يخفت الحديث عن ملف سياسي أو أمني كان هؤلاء يلوذون به لتكرار مطالبتهم الحكومة بالتنسيق مع حكومة نظام دمشق حتى «يمتطوا» ملّفاً آخر للغاية نفسها. فبدءاً بملف النازحين السوريين ومطالبة «حزب الله» وحلفائه بتنسيق عودتهم إلى بلادهم مع النظام الذّي هجّر أكثريتهم الكاثرة (هذا ما دعا إليه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض أمس)، وصولاً اليوم إلى قول أكثر من وزير من الفريق نفسه أنّ «مشاركة لبنان بإعادة إعمار سوريا تقتضي أولاً التنسيق معها». وكان «الخط السياسي» نفسه قد قام بحملة إعلامية وسياسية خلال معركة «فجر الجرود» للقول إنّ الجيش اللبناني ينسّق قتاله «داعش» مع الجيش السوري و«حزب الله»، بالرغم من نفي الجيش اللبناني ذلك مراراً وتكراراً. كما حاول الفريق ذاته إضفاء «شرعية» على زيارة عدد من الوزراء اللبنانيين لدمشق للمشاركة في معرض قيل إنه «دولي»، بالرغم من عدم حصولهم على تفويض رسمي من الحكومة بذلك. في كل هذه المحطات كان هدف «الممانعين» واحداً لا غير: تنسيق الحكومة اللبنانية مع النظام السوري. لكنّهم، وبالرغم من كل ذلك الإلحاح، لم يبلغوا مبتغاهم، ولذلك تراهم لا يفوتون فرصة إلا ويعيدون العزف على وتر «التنسيق مع سوريا» بالرغم من كون ذلك عنواناً سجالياً في الداخل اللبناني، ما دامت شريحة واسعة من اللبنانيين ضدّه لدواعٍ سياسية وأخلاقية.

إذاً، اليوم ثمّة عودة إلى «نغمة التنسيق» من باب ما طرحه الرئيس سعد الحريري عقب لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع «سوتشي»، أمس الأول، لجهة حديثه عن الدور الذي يمكن أن يلعبه لبنان في موضوع إعادة إعمار سوريا. إذ قال: «إلى أن ينتهي الحل السياسي في سوريا قد يكون لبنان محطة لإعادة إعمار سوريا، وهناك مرفأ طرابلس وخطة للسكك الحديد ومطارات يمكن إنشاؤها».

لكنّ دعاة التنسيق مع الحكومة السورية، لم يشاؤوا أن يأخذوا كلام الحريري كاملاً كما ورد. إذ اكتفوا بجزئه الأول المتصل بموضوع إعادة إعمار سوريا، وأسقطوا الجزء الثاني الذي يربط تشكيل لبنان محطة لإعادة إعمار سوريا بانتهاء الحل السياسي في هذه البلاد التي دمرتّها حرب النظام على أهلها وأحرقت الأخضر واليابس منذ ما يزيد عن ست سنوات.

فالوزير علي قانصو اعتبر، أمس، أنّ «المشاركة بإعادة إعمار سوريا تقتضي أولاً التنسيق معها». أي أنّه استبق، بحسب الأوساط السياسية، بدء عملية إعادة الإعمار بطلب التنسيق مع النظام السوري الحالي، مسقطاً من حسابه أمرين، أولهما أنّ الحل السياسي للأزمة السورية هو شرط شارط للبدء بإعادة الإعمار في سوريا، وثانيهما أنّه لا يمكن التكهن بطبيعة النظام الذي سيحكم سوريا بعد انتهاء الحل السياسي. وبالتالي لا ترى تلك الأوساط في كلام قانصو سوى مسعى ترويجي جديد إلى ضرورة تنسيق الحكومة اللبنانية مع حكومة دمشق الحالية، وهذه المرة حول موضوع «وهمي»، هو اعادة إعمار سوريا قبل انتهاء الحرب فيها.

من جهته، يصف وزير الدولة لشؤون النازحين السوريين معين المرعبي الدعوة إلى التنسيق مع النظام السوري في مسألة إعادة الإعمار في سوريا بـ «العبثية». ويسأل في اتصال مع «المستقبل»: «عن أي إعادة إعمار يتكلمون وعمليات القصف ما تزال مستمرة في سوريا؟»، مشيراً إلى أن موقف الرئيس الحريري بربط إعادة الإعمار بالحل السياسي يتقاطع مع الموقف الدولي في هذا الشأن، وقد صدر مثل هذا الموقف عن الحكومة الفرنسية أخيراً.

كلام المرعبي يتقاطع مع موقفَي «القوات اللبنانية» ووزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا التويني في تأييد كلام الحريري عن عدم إمكان الإعمار في سوريا قبل الحل السياسي. فـ «القوات»، إذ تذكّر مصادرها في اتصال مع «المستقبل» بأن إعادة الإعمار في لبنان لم تبدأ إلا بعد انتهاء الحرب الأهلية، للقول إنّ الأمر نفسه سيتكرر في سوريا، تؤكد رفضها التنسيق مع النظام السوري رفضاً مطلقاً، وذلك لمجموعة اعتبارات قضائية وسياسية وأمنية. وتضيف: «عندما تبرم تسوية سياسية في سوريا وتحصل على شرعية سورية وعربية – خليجية، ودولية، ساعتذاك يأخذ لبنان الموقف المناسب من مسألة إعادة إعمار ما دمرته الحرب في سوريا، أمّا محاولة فرض التنسيق مع النظام السوري تحت ذرائع متعددة، فسيأخذ البلد إلى مواجهة سياسية كبرى». 

وترسم «القوات» حدود اللعبة السياسية في خصوص التنسيق مع الحكومة السورية كالآتي: «إبقاء الأمور في ما خص العلاقات اللبنانية – السورية على ما هي عليه اليوم، أي بالحدود الدنيا، وإلّا سنطالب بإقفال السفارة السورية في بيروت، في حال أصر الفريف الآخر على مزيد من التنسيق مع الحكومة السورية». 

الوزير تويني من جهته يؤيد كلام الحريري في موسكو بشأن إعادة إعمار سوريا ودور لبنان فيها، ويذكّر بأنّ «ملف التنسيق مع الحكومة السورية شأن خلافي داخل الحكومة، ولذلك امتنع وزير الاقتصاد رائد خوري عن الذهاب إلى دمشق للمشاركة في المعرض الدولي، لكي لا نؤجج هذه الخلافات». لكنّه يشير في الوقت نفسه إلى أن «إعادة فتح المعابر الحدودية بين سوريا من جهة والعراق والأردن من جهة ثانية سيسمح مجدداً بتصدير المنتوجات الزراعية اللبنانية عبر هذه المعابر، وهذا سيفعّل التنسيق التجاري والترانزيتي مع سوريا، أمّا التنسيق السياسي فشأن خلافي ولسنا مع تأجيجه».

علماً أنّ الوزير خوري كان قد قال، أمس، إن «إعادة إعمار سوريا من لبنان طرحناها في روسيا، وذلك لا يتطلّب تنسيقاً مع سوريا»، ما استدعى تعليق الوزير السابق فيصل كرامي عليه بالقول في «تغريدة» عبر تويتر: «بدّي منه و…عليه»، كما علّق الوزير السابق وئام وهاب على خوري ناصحاً إياه بـ «انتظار أبو محمد الجولاني حتى يكسب الحرب وتنسقوا معه لإعمار سوريا!».

في المقابل تؤيد، أوساط سياسية، كلام خوري وتصفه بـ «الواقعي»، إذ ترى أنّ الكلمة العليا في سوريا اليوم هي لروسيا، وبالتالي أي اتفاق معها على ملف يخصّ سوريا يلزم النظام به. وتعطي مثالاً على ذلك ما يحصل في المفاوضات بين الأردن وموسكو وواشنطن بشأن «خفض التصعيد» في المنطقة الجنوبية بسوريا، إذ أنّ الأردن تسعى لضمانات دولية لترتيب أوضاع حدودها مع سوريا، تغنيها عن «الاتفاق» مع النظام السوري!