Site icon IMLebanon

برسم القائلين ببيع فلسطين:

 

 

الفقرة 22 من كتاب «عواصف في ذاكرة» الذي سيصدر خلال شهرين:

 

«أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947 قراراً يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، وذلك بموافقة 23 دولة ورفض 13، وامتناع عشر دول عن التصويت».

 

القرار 181 أصبح همّ العالم بعد الحرب التكفير عن تجاهله اضطهاد اليهود، وأصبحت قضية إيجاد وطن خاص بهم قيد التداول بشكل حثيث بين صنّاع القرار الدوليين. كانت فلسطين الأرض المثالية لأسباب توراتية وتاريخية، بالإضافة للإشاعة التي أطلقتها الأوساط الصهيونية في العالم بأنّ فلسطين هي «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».

 

وهنا دخلت مجموعة ضغط من اليهود في الولايات المتحدة الأميركية وأسّست ما أصبح يُعرف لاحقاً «باللوبي الصهيوني»، وأقنعت صنّاع القرار في واشنطن بضرورة دعم إنشاء دولة إسرائيل المستقلة.

 

في سنة ١٩٤٧، أصبحت الولايات المتحدة أكثرَ الدول حماسة لتقسيم فلسطين، كما أنها تمكنت من الضغط على العديد من البلدان الصغيرة لتمرير قرار التقسيم في الأمم المتحدة في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٧.

 

وعندما سُئل هاري ترومن رئيس الولايات المتحدة، عن سبب تأييده قرار التقسيم على الرغم من رفض العرب له، أجاب: «هناك مئات الآلاف من الناخبين عندي المتحمّسين لنجاح الصهيونية، في حين أنه لا يوجد العدد نفسُه من الناخبين المؤيّدين للعرب في أميركا».

 

أثار قرار التقسيم غضباً عارماً لدى العرب، مع أنه للمفارقة لم يُقابل بعين الرضى من الصهاينة الذين اعتبروه «مجرد خطوة أولى في اتجاه إنشاء إسرائيل الكبرى».

 

كان قادة الصهاينة يعوّلون على عدم قبول العرب قرارَ التقسيم، ما سيعطي دولتهم الفرصة من جديد لمزيد من المكاسب على الأرض من خلال الحروب، كما سيتبيَّن لاحقاً.

 

لقد ذكر نعوم شومسكي، وهو الأميركي اليهودي واليساري، أنّ ديفيد بن غوريون، قال: «بعد أن تقوى دولتنا سوف نكسر قرار التقسيم لنتمدّد إلى كل فلسطين».

 

ويقول شومسكي إنه شخصياً سمع مناحيم بيغن يقول سنة ١٩٤٨: «إنّ قرار التقسيم غير عادل ولن نقبل به أبداً. كما أنّ تعهّدات المنظمات والمسؤولين الذين وقّعوا القرار ليست لها أية قيمة ولا تُلزم الشعب اليهودي. أورشليم هي عاصمتنا إلى الأبد، وأرض إسرائيل ستعود الى شعبها بكاملها وإلى الأبد».

 

في ٥ أيار ١٩٤٨ انسحب البريطانيون من فلسطين، فأعلن اليهود إنشاء دولتهم فوراً.

 

استنجد الفلسطينيون عندها بجامعة الدول العربية الفتية التي قرّر زعماؤُها الدفاع فقط عن المناطق التي حدَّدها قرار التقسيم للفلسطينيين.

 

في ١٤ أيار ١٩٤٨ أعلن ديفيد بن غوريون في حضور غولدا مائير ومسؤولي الوكالة اليهودية وزعماء المنظمات الإرهابية الصهيونية، استقلال دولة إسرائيل.

 

منذ البداية كان هدف بن غوريون واضحاً، وهو: «دفع أكبر عدد من العرب للهرب خوفاً على حياتهم»، على الرغم من أنه لم يُصدر يوماً قراراً موثَّقاً بذلك، ولكنه كان يقول إنّ قادته: «يعرفون ما عليهم فعله».

 

ونُقل عنه قوله مشجّعاً أرييل شارون بعد مجزرة نفّذها في قرية «قبية» الفلسطينية، وبعد موجة استنكار عمّت العالم بسببها: «لا يهمّ ما يقوله العالم كله فالمهم ما نفعله نحن هنا في الأرض التي منحها الله لنا»!

 

إنطلقت الحرب في يوم إعلان دولة إسرائيل. كان الصهاينة قد وضعوا نصب أعينهم تهجير الفلسطينيين وتدمير منازلهم بالكامل حتى لا يعودوا إليها أبداً، وقد وقعت عشرات المذابح في حقّ السكان العزل، وكان أشهرها مذبحة «دير ياسين» التي قادها مناحيم بيغن نفسُه، وهو الذي أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل لاحقاً، وهناك بين اليهود مَن يعتبره من أنبيائهم الجدد.

 

أشاع الإسرائيليون أنّ العرب الفلسطينيين تركوا بيوتهم بناءً على طلب القادة العرب الذين وعدوهم بإعادتهم سريعاً و«رمي اليهود في البحر»! كل ذلك تبيّن أنه كذبة هدفها التملّص من المسؤوليات القانونية الناتجة من الإحتلال والتهجير القسري للفلسطينيين. لكنّ الحقيقة الموثّقة كانت أنّ الجامعة العربية أصدرت نداءات متعددة للفلسطينيين للبقاء في بيوتهم والصمود، لكنّ الوحشية التي استعملها الصهاينة دفعت مئات الآلاف منهم للنزوح خوفاً على حياتهم.

 

أريه اسحق هو أحد كبار مؤرّخي الجيش الإسرائيلي، وبعد دراسته وقائع حرب ١٩٤٨، صرَّح بما يلي في محاضرة له في جامعة «بار إيلان» الشهيرة: «إنّ الوقت قد حان لمواجهة بحور الكذب التي نسجناها.

 

ففي كل قرية استولينا عليها في حرب الإستقلال قام رجالنا بأعمال يمكن وصفُها بجرائم حرب كالقتل العشوائي والمجازر الموصوفة والإغتصاب.

 

بالنسبة للكثير منا كنا نختبئ وراء كذبة أساسها أنّ العرب تركوا أراضيهم إستجابةً لنداء زعمائهم، وهذه في الواقع مجرد إفتراء! فالسبب الأساسي لهروبهم كان الخوف المبرَّر، ففي كل قرية احتلها جيش الدفاع، كانت أخبار المذابح واضحةً وثابتةً، وفي كثير من الأحيان خارج إطار المعركة، فإن كان بعض الزملاء الأكاديميين يرفضون تسمية هذه الأعمال بجرائم حرب، فأنا لا أجد لها إسماً آخر».