بصرف النظر عن كل التفاصيل والنيران والشرور التي دسّت أنيابها بين المتظاهرين من حملة اللافتات والأطفال والزمامير، كان لا بدّ من انفجار الغضب ضد هجوم الزبالة المتواصل منذ شهر ونصف شهر، أيّاً يكن الثمن، وأيّاً تكن النتائج.
لم يكن في حسبان شبان وشابات “طلعت ريحتكم” أن صيادي المناسبات، وزارعي الفتن سيكونون لهم بالمرصاد ليحوّلوا التظاهرة العادية نصف حرب، ونصف مواجهة مسلحة، ونصف حريق كان يأخذ في طريقه الحجر قبل الشجر.
إنما حصل ما قد حصل. فالزبالة غمرت بـ”حنانها” أربعة أخماس لبنان، و”فرضت” وجودها على الأنهر والشواطئ والمزارع والحقول، كما أعلى الجبال وأعمق الأودية.
هجم الخوف من شتى الأمراض والأوبئة على كل اللبنانيّين ساحلاً وجبلاً ووسطاً وطرقاً وبحاراً، ولم يوفر الساحات العامة.
والكلام الكبير على الواقفين خلف هذه الفضيحة المجلجلة لم يعد محصوراً في الكواليس والمجالس بالأمانات، إنما انتشر في المقاهي وسيارات النقل والسوبر ماركت والدكاكين وعبر “المحمول” ومشتقّاته.
لقد بهدلت الزبالة لبنان أكثر مما هو مبهدل من الفراغ الرئاسي، والتعطيل، والشلل، وشبه المقاطع من مغتربيه قبل الذين كان يعتقد أنهم سيندرجون في عداد سيّاحه.
ولكن ماذا يفعل بالزبالة، والذين يقفون خلف فضيحتها بكل جسارة وشجاعة وإباء وصمود… حتى يتمّ الذي فيه النصيب؟
إنه “قدره” السياحي – الاصطيافي، الذي ما إن يطلّ شهر حزيران حتى تكون “الأقدار” الخفيّة قد هيّأت له مشكلة سياسيّة أمنيّة، تجعل الراغبين في التوجّه إلى الربوع الخضراء يغيّرون آراءهم واتجاه سفراتهم.
كان يمكن أن نحمّل العبء كله للفراغ الرئاسي. إلا أن “معطّلي” الانتخابات الرئاسية هم أنفسهم الذين يكمّلون معروفهم كل صيفية مع لبنان… باختلاق مشكلة لا آخر لها.
إلا أن ذلك كله لن يتمكّن من زعزعة الصيغة اللبنانية، والنظام اللبناني، والديموقراطية اللبنانية، أو إلغاء الحريات العامة والفردية.
كما لن يبقى الفراغ الرئاسي إلى الأبد، ومعه الشلل الذي يشمل بعطفه وعنايته مجلس النواب ومجلس الوزراء.
مرة أخرى، لا بدّ من التوضيح للّذين كانوا يهتفون “الشعب يريد إسقاط النظام”، أن النظام اللبناني في نصوصه ومقوّماته ومرتكزاته يُعتبر في عداد أرقى الأنظمة الديموقراطية.
غير أن العلة هي في السياسيين والمتعطّشين إلى المناصب، والجائعين إلى المزيد من المكاسب، فضلاً عن أرباب الفساد وحُماة الفاسدين.
وهؤلاء بفضل بعض منهم “تمكّنت” الزبالة من فرض وجودها، وإرادتها، وانتشارها في كل الربوع اللبنانية الغنّاء.
هؤلاء ذاتهم هم مَنْ يجب أن يسقطهم الشعب… مع أمثالهم من تجار السياسة والوطنية والفساد.