أدّيش صعبة لمّا نكون أنت وأنا متوعّكين من «ضربة أي سي» أو ساندويش شاورما فاسد ونحتاج إلى من يناوِلنا كوب ماء لبلعِ حبّة الدواء، أو مَن يوصلنا إلى الطبيب، أو من يحضّر لنا الطعام ويجلس بجانبنا ويواسينا ويخفّف عنّا محنتنا التي لا يمكن أن تدوم أكثر من يومين أو ثلاثة.
وأدّيش أصعب بكثير وكثير عندما تكون كلّ حياتك مرغماً، بدون أي خيار آخر، على الاستعانة بشخص يهتمّ بك ويسَهّل أمورك الحياتية التافهة ويكون بجانبك في كلّ مشوار تذهبه وفي كلّ مهمّة تجريها، حتى ولو كانت دَهن قرص بيكون عَ رغيف.
ذوو الاحتياجات الخاصة هم وجعُ مجتمعنا الأليم، ونحن نستمرّ في أخذِ مسكنّاتٍ لننساهم ونتاجهلهم ونهمِلهم، إلى درجة إذلالهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية والعملية، التي يمكن أن توفّر لهم أدنى مستويات الكرامة الاجتماعية والتسهيلات التي توفّر عليهم مذلّة الاحتياج دائماً إلى شخص آخر.
الأشخاص الذين لا يعانون من أيّ مشكلات جسدية وعقلية لا يلاحظون التفاصيل الصغيرة التي يحتاج ذوو الاحتياجات الخاصة إلى وجودها في الأماكن العامة حتى يتمكّنوا من التحرّك كـ»بني آدمين».
عندما نتوجّه إلى البنك، كلّ ما نفكّر فيه هو الأموال الباقية في الحساب والمبلغ الذي يمكننا سحبُه، لكنّ هناك أشخاصاً مضطرّين للتفكيرِ أكثر منّا وحصرِ أدمغتهم لتذكُّرِ البنك الذي خَصَّصَ منحدراً أو طلعةً صغيرة لكرسيّهم المدولب أو وضعِ أحرف «برايل» على الـ»أي تي أم».
وعندما تَحتدم الانتخابات البلدية والنيابية، غالبية الناس تفكّر فقط في الأسماء التي ستَضعها على اللائحة ولا تكترث إذا كان قلم الاقتراع في القرنة السوداء، لكنّ هناك ناساً يَقلقون إذا كان القلم في الطابق الأوّل أو الثاني وعمّا إذا كانوا سيَجدون أحداً يحمل كرسيَّهم أو يرشدَ عصاهم إلى غرفة الاقتراع.
صدّقوني، الشخص الجالس في كرسيّ مدولب لا يعاني من تخلّف ذهنيّ، والكفيف والأبكم والأصمّ يمكنهم استخدام أرجلِهم وأيديهم بليونة، والمصابون بمتلازمة «داون» و»توريت» يمكنهم أن يجدوا مكاناً في المجتمع يكونون فيه ذاتَ إفادة. وإذا لم يجد أيٌّ من هؤلاء وظيفةً أو حلماً يحقّقه، فهو ليس بسبب عجزٍ في عقله أو جسدِه، بل بسبب جهلِنا لوضعِه وتجاهلِنا التامّ لاحتياجاته، وغالباً ما تكون أنانيتنا وعنجهيتنا أقوى من أحلامهم وتطلعاتهم.
ذوو الاحتياجات الخاصة لا يحتاجون إلى شَفقتنا وتعاطفنا، ولا يحتاجون أيضاً إلى إصبعِ المدام التي تدلّ ابنَها عليهم وتَهمس في أذنه «يا حرام»…
هؤلاء يحتاجون إلى دعمنا ووعينا وإنسانيتنا للمطالبة بكلّ ما يحافظ على كرامة الإنسان مهما كان وضعُه الصحّي والجسدي… ولنتذكّر دائماً أنّ عدداً كبيراً من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يولدوا هكذا وليسوا معاقبين من الله على خطاياهم، بل صعَّبَت الحياة مهمّاتهم بعد حادث أو خطأ طبّي أو انفجار إرهابي أو طلقٍ ناريّ… والذي أصابَهم أمس يمكن أن يصيب أيَّ واحدٍ منّا اليوم أو غداً، وكم مِن حادث سخيف يمكن أن يَجعل حياتنا اختباراً قاسياً.
وعلى عكس ما قاله الوزير المشهود له بموكبِه المصفّح، والإعلاميةُ المشهود لها بفتحة صدرها، فإنّ ذوي الاحتياجات الخاص ليسوا معاقون، وهذه كلمة لا تليق بهم ولا تصفُ وضعَهم.
المعاقون هم نحن، لأنّ الإعاقة الحقيقية لا تصيب عموداً فقرياً ولا عيناً ولا أذناً ولا حتى عقلاً… الإعاقة تصيب المنطقَ والفهم والسلوك الاجتماعيّ، وتصيب أيضاً اللسانَ الطلق بمفردات عنصرية.
فيك تكون بتمشي على إجرتَين وبتَستعمل إيدتَين وحواسك الخمسة شغّالة، وفيك تكون معاق بلا ما تعرف.