وكأن الحديث عن كون إيران شريكاً في حوض بناء الغوّاصات من طراز «دولفين»، لا يكفي لتثبيت الاتهام لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وقادة جيشه، بالغفو أثناء الحراسة، حتى كشفت صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية النقاب عن أن السفن الحربية من طراز «ساعر 6» التي اشترتها إسرائيل في العام الماضي من شركة «تيسنكروب» الألمانية بُنيت في أحواض تملكها دولتا أبو ظبي ولبنان. وقد أقرّت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن السفن تُبنى فعلاً في أحواض تمتلكها أبو ظبي، ولكن هذه الأحواض لا تبني سوى هيكل السفينة، وأن المنظومات التي تُشغّلها تُركّب فقط في إسرائيل.
وأشار المراسل العسكري لـ «يديعوت احرونوت» اليكس فيشمان إلى أنه في أواسط العقد الماضي توجّهت جهات أمنية مسؤولة عن حماية المعلومات في إسرائيل، إلى ضابط الأمن من وزارة الدفاع المُقيم في حوض السفن في ألمانيا، وأشارت له إلى أن مجمع «تيسنكروب» تُشارك في ملكيته إيران. وفضلاً عن ذلك، قدّمت هذه الجهات لضابط الأمن هذا تنبيهاً من احتمال تسرّب معلومات بسبب الصلة الإيرانية. وعلى الرغم من ذلك استمرّت إسرائيل في تنفيذ الصفقة. ومن الجائز جداً أنه تمّ فحص المعلومات، وتقرّر أن لا يُتّخذ بشأنها أي إجراء، ولكن الجهات التي قدّمت المعلومات تؤكد أن زعيم المؤسسة الأمنية الحالي لم يكن يعلم شيئاً عن الصلة الإيرانية.
وهكذا إذا لم تكن عاصفة الغواصات كافية، فإنه يتبيّن حالياً أنه قد تنشأ مشاكل بشأن السفن التي قرّر سلاح البحرية شراءها. وفي إطار الصفقات الكبيرة لإسرائيل مع مجمع «تيسنكروب»، تمّ في عام 2015 شراء أربع سفن من طراز «ساعر 6» (كورباتا). والآن يتبيّن أن هذه السفن، التي تمّ شراؤها لأسباب بينها توفير الحماية لمنصّات الغاز البحرية، بُنيت جزئياً في حوض تملكه شركة من أبو ظبي ولبنان. وكان المُعلّق السياسي لـ «يديعوت» ناحوم بارنيع أول من كشف العلاقة بين الشركة الألمانية وأبو ظبي في الأسبوع الماضي.
و«أبو ظبي مار» هي شركة السفن الرائدة في الخليج، ويُديرها رجل الأعمال اللبناني اسكندر صفا، الذي يملك 30 في المئة من أسهمها عن طريق شركة السفن «فريباينبست»، التي تتّخذ من بيروت مقراً لها، وهو مالكها. أما نسبة الـ70 في المئة الباقية، فتملكها مجموعة «العين» من أبو ظبي.
والغرام بين «أبو ظبي مار» و «تيسنكروب» بدأ عام 2009، عندما شرعت الشركتان في اتصالات لتعاون طويل المدى. في نيسان 2010، وقّعت الشركتان عقداً يقضي بأن تنتقل أحواض السفن المدنية التي تملكها «تيسنكروب» الى ملكية «أبو ظبي مار»، وأن تكون بين الشركتين «شراكة استراتيجية 50 ـ 50» في قطاع السفن العسكرية. في أيار عام 2011، وقفت «تيسنكروب» خلف الخطة، غير أنه بعد شهر ونصف من ذلك، نشرت الشركة على نحو مفاجئ أن التعاون الاستراتيجي لم ينجح وأن العقد أُلغي.
وقد تبيّن لاحقاً أن العلاقة لم تختف تماماً. فقسم صغير من الصفقة الكبرى نُفّذ مع ذلك، وأن حوض السفن المدني من مدينة كيل «HDW Gaarden»، انتقل إلى «ابو ظبي مار» في عام 2011، وغيّر اسمه إلى «أبو ظبي مار كيل». وفي هذه الأثناء، دخلت أعمال السفن المدنية في أزمة، وحوض السفن المدني في كيل بدأ يتحوّل إلى إنتاج عسكري. وعندها، في آذار 2015 قبل شهرين من نشر صفقة السفن بين سلاح البحرية الاسرائيلي و «تيسنكروب»، غيّرت «أبو ظبي مار كيل» اسمها فجأة إلى «German Naval Yards». وحسب التقارير، فقد عرقل الاسم العربي صفقة مع إسرائيل ولهذا تمّ تغييره. ولم يؤكد الأمر بالطبع رسميا.
وتوجّهت «يديعوت احرونوت» إلى المتحدث باسم « German Naval Yards» كي تستوضح عن أي دور لحوض السفن في إنتاج السفن الاسرائيلية. وحسب رده، كان الجواب أن «German Naval Yards Kiel تعمل مقاولاً فرعياً لـ «تيسنكروب منظومات بحرية». ودورها في هذه الصفقة هو المساهمة في هندسة وسائل الإبحار وبنائها في حوض السفن في كيل. وكان حوض السفن على علاقة مع الجانب الإسرائيلي عبر «تيسنكروب» فقط.
وعقّبت وزارة الدفاع الاسرائيلية، فقالت: «عقد شراء سفن الحماية وقّع مع شركة ألمانية، بمشاركة مُباشرة من الحكومة، التي موّلت ثلث كلفة الصفقة. وقبل توقيع العقد، أجرت الوزارة مراجعة مع جهات في الحكومة الالمانية، للتأكد من أنه لن تنقل أي معلومات سرّيّة من المشروع الى جهة غير مسموح لها الاطلاع عليها من دون إذن. ومن المهم الإشارة إلى أن حوض السفن الألماني لا يبني إلا هيكل السفن وأن كل باقي المنظومات تُركّب في اسرائيل».
وكانت «يديعوت» قد نشرت أن شركة «تيسنكروب» الألمانية مملوكة جزئياً لشركة استثمارات إيرانية تملكها الحكومة. وحسب معطيات شركة الاستثمارات الخارجية الإيرانية، فإن إيران في عام 2011 كانت تملك 4.5 في المئة من أسهم مجمع «تيسنكروب». وقد ربحت إيران مئات من الملايين من أسهمها في شركة الحديد والسفن الألمانية في عام 2006، ونالت شركة الاستثمارات الإيرانية من «تيسنكروب» عائدات بقيمة 18.5 مليون يورو.