الأسئلة التي باتت على كل شفة ولسان بعد حادثة سقوط ثنائي “الدرون” في الضاحية الجنوبية هي هل يردّ “حزب الله”؟ ومتى؟ وكيف؟ وهل يكون رداً محدوداً أم ننزلق إلى حرب؟
هذه الأسئلة التي تعبّر عن هواجس وقلق أكثرية اللبنانيين تنطلق من عوامل عدة، أولها أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس الأعلى للدفاع أمّنا “الشرعية” لأي ردّ قد يقوم به “حزب الله”، بمعزل عن حجمه وتوقيته ونتائجه، في سابقة قد تكون لها انعكاسات وخيمة على اللبنانيين ومؤسسات الدولة اللبنانية ككل، بحيث لا يعود ممكناً الفصل بين ما يفعله “الحزب” وبين الدولة ومؤسساتها بعدما وافقت مسبقاً على ما قد يقوم به.
ثاني العوامل هو التوقيت الإقليمي الدقيق بعد اجتماعات مجموعة السبع (G7) في بياريتس الفرنسية ومجيء وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف على عجل، والحديث عن احتمال عقد لقاء قمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني في نيويورك في منتصف أيلول المقبل على هامش لقاءات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ما يفتح كوة في جدار الأزمة بين واشنطن وطهران. وبالتالي هل يمكن لـ”حزب الله” أن ينجرّ إلى ردّ على إسرائيل يهدد بتفجير المنطقة ونسف إيجابيات بياريتس ويقطع الطريق على لقاء نيويورك المنتظر، أم أن التصعيد في حال وقع سيشكل مادة مطلوبة إيرانياً لرفع السقوف قبيل المفاوضات؟!
ثالث العوامل هو أن الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان لا يحتملان، ليس فقط الحرب، إنما حتى شبح الحرب. فمنذ حادثة الضاحية وكلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي أعقبها، واللبنانيون يعيشون توتراً وقلقاً غير مسبوقين، لا بل يعيشون خوفاً متصاعداً على المستقبل والمصير في حال الانزلاق إلى حرب “لو كنت أعلم” جديدة، وذلك بعيداً من الشعارات الوطنية الكبرى وعناوين الصمود والتصدي والمواجهة. فاللبناني العاجز عن الصمود والتصدي لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها، بالتوازي مع القلق على مصير العملة الوطنية وتراجع السيولة بالعملة الأجنبية في الأسواق، لا تنفعه الخطابات الرنانة، ولا ممارسة سياسة النعامة لتجاهل الحقائق المرّة.
إن التهديدات التي أطلقها السيد نصرالله تجاه إسرائيل إنما انعكست موجات خوف داخلية يعيشها اللبنانيون للمرة الأولى في تاريخهم، لاقتناعهم التام بعدم قدرتهم وقدرة مؤسساتهم واقتصادهم على الصمود في حال اندلاع أي حرب لا سمح الله، وخصوصاً في ظل غياب أي دعم عربي أو دولي.
إن المكابرة في مواجهة كل ما نعيشه لا تنفع، كما أن المغامرة بمستقبل لبنان واللبنانيين ليست قراراً يتخذه طرف لبناني مهما علا شأنه. وفي هذا الإطار لن تنفع التطمينات اللفظية والدعوات لعدم الخوف في ظل تنصّل المؤسسات الدستورية من دورها وتحوّلها مجرّد غطاء لمشروع “حزب الله” في خدمة إيران وأجندتها…