Site icon IMLebanon

المهددون بالنزول إلى الشارع!

الجنرال عون يهدد بالنزول إلى الشارع ويدعو أنصاره للاستعداد لهذه الخطوة المقبلة! متناسياً أن لبنان مؤلف من جملة من الشوارع المتقابلة، وأن بعضها يمكن أن تكون قياداته مثل قيادة الجنرال، عنيدة وشرسة ومستعدة للمواجهة والمجابهة، وفي مثل هذه الحالة الساخنة، وقانا الله من طيش النتائج وعواقبها الخطرة.

ولئن كان موقف الجنرال منطلقا من أوامره المتكررة إلى اللبنانيين بوجوب انتخابه رئيسا للجمهورية، وبوجوب تعيين صهره الجنرال روكز قائدا للجيش، وبوجوب انفراده بالتصرف بالمراكز الإدارية المهمة العائدة للطائفة المسيحية، ولئن كان تهديده بتجميد عمل وزرائه في الحكومة إيذانا ببدء عملية الحرتقة والتعطيل والضغط العشوائي التي يتقنها جنابه، ويحاول نبش تاريخه في هذا الصدد منذ أن تمسك بالبقاء في قصر بعبدا وانطلق منه إلى سلسلة من الحروب العسكرية والسياسية وفي طليعتها حرب الإلغاء وحرب التحرير، فلم تلغ حربه أحدا، ولم تحرر حربه الأخرى شبراً من الأرض، وقد اضطر في النهاية إلى ترك القصر الجمهوري برعاية وحماية فرنسية أخرج بموجبها وحده من لبنان بعد أن أبقى عائلته كلها في القصر الجمهوري تحت رحمة الضباط السوريين، وها هو اليوم بعد عودته إلى الحياة السياسية يستعيد ماضيه الذي زاد أوضاع البلاد خرابا على خراب، خاصة منها ما تعلق بالجانب المسيحي، حيث خاض حربا أسهمت إلى حد بعيد، في تخريب ودمار كثير من المناطق المسيحية، وإحداث شرخ عميق في أوساطها، وقد عمد مؤخرا، مع القوات اللبنانية إلى محاولة معالجة آثاره التدميرية على كل صعيد، حيث أسهمت فظائع وأهوال تلك الأحداث في الدفع باتجاه هجرة لبنانية، وبالتحديد مسيحية، ما زال لبنان يعاني من آثارها حتى الآن.

في دعوته لمقاطعة الحكومة وتجميد مساهمته فيها، يكاد الجنرال أن يكون وحيدا فريدا لا شريك له ولا نصير، اللهم إلاّ من بعض المواقف الشكلية المتعاطفة معه من قبل بعض الذين يجاملونه طمعا في جملة من التغطيات التي يؤمنها لهم بسخاء عجيب.

وها هو الرئيس بري الذي ينتهج سياسة وطنية نابعة من تقديره الواعي والحكيم للوضع اللبناني وحساسية ظروفه وخطورة مواقعه، خاصة في هذه الأيام العصيبة التي نجح لبنان فيها حتى الآن في حماية رأسه من هول النيران المشتعلة من حولنا على امتداد العالم العربي، وهو يسير بين النقاط ويتجاوز العقبات والمطبات بكثير من الجهد والحرص والتنبه، وها هو يتخذ بهذا الصدد جملة من المواقف التي تقف سدا وطنيا صامدا في مقابل المحاولات العونية الرامية إلى النفخ في الرماد المتقد وتأجيج المواقف الطائفية التي أفلح لبنان حتى الآن في تجنب مطباتها وأخطارها، وها هو حزب الله نفسه، الحليف اللصيق بالجنرال عون والمجاري له في كثير من مواقفه وتصرفاته، يكاد أن يقف على الحياد في موضوع المقاطعة الحكومية وتجميد الوضع الحكومي، في الوقت الذي يقوم فيه الجنرال بكل هذه الاستعراضات الكلامية والشكلية، مهددا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهو سيد العارفين بأن هذا النهج لا يمكن أن يؤدي به إلى نتيجة تتلاقى مع طموحاته وأحلامه، بل على العكس، هو في ذلك يسهم في ابعادها عن شخصه إلى حدود الاستحالة.

ويكاد الوضع الوطني كله يقف مندهشا أمام هذا الموقف المعاند والمشاكس والنابع من طموح شخصي جامح وأحلام عصية التحقيق تسعى عبثا إلى رئاسة الجمهورية، وكلما ازداد تصميم الجنرال، على مطالباته المنطلقة من قيادة الجيش والإصرار على قواعد سياسية يختلقها لنفسه ويلحقها بخدمة أهدافه التي ما أنزل الله بها من سلطان، كلما وجدنا أن مطالبته على كل صعيد، قد ازدادت وتكرّست من حولها المصاعب والخصومات والمطبات، فإذا بالأجزاء منها التي ربما تعتبر قابلة للتحقيق في ظروف طبيعية، تصبح في وضعيته المحرضة والمتشنجة، معقدة وملبدة بالمواقف المستند أغلبها إلى مستلزمات دستورية وقانونية وواقعية غير متوفرة وفي طليعتها الموقف الذي يدعو إلى تعيين قائد جديد للجيش بعد انتهاء مدة القائد الحالي اولا، وبعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون من حقه وحده كرئيس للبلاد وكقائد أعلى للجيش أن يعطي موافقته على من سيكون يده الطولى في إحقاق الأمن في البلاد، خاصة خلال هذه المرحلة شديدة التلبد بالغيوم السوداء والاحتمالات المستقبلية الخطيرة.

وأمام هذا الموقف العوني المستشرس والمغلف بكفوف ومطالب منغمسة إلى اقصى الحدود في الزفت الطائفي البغيض، يقف الرئيس سلام على رأس حكومة يستعين في قيادتها، بكل ما وهبه الله من طاقة على الصبر والقدرة على الصمود، للاستمرار في رئاستها، متحملا جملة من درجات التعطيل المتصاعدة، بدءا بالدلع السياسي والمطالب الانتفاعية والشخصانية، وصولا إلى الوضع السياسي ومحاولات الاستمرار في تعطيل الحياة العامة في البلاد، وفي طليعتها تعطيل المؤسسات الدستورية بدءا من الفراغ الذي دخل عامه الثاني في رئاسة الجمهورية، ومرورا بانكفاء المجلس النيابي عن أداء مهامه ودوره الأساسي والمطلوب، ووصولا إلى سائر مؤسسات الدولة حتى لتطورت الأمور إلى حدود اتخاذ المواقف الشرسة التي من شأنها أن تؤدي إلى تعطيلها وفرملة جهودها ووضع العراقيل أمام مسيرتها وفي طليعتها الجيش اللبناني الذي قام حتى الآن بأدوار بارزة في الحفاظ على السلم الأهلي ووقاية لبنان من مخاطر الانحراف والتطرّف، وما زالت بانتظاره جملة من الأدوار الرئيسية والحساسة والمجبولة بالمطبات والمخاطر، وفي طليعتها الوضع في عرسال وجرودها، مسجلين لحزب الله، موقفه الأخير الذي أوضح فيه سياسته المتعلقة بعرسال وبدور الجيش اللبناني فيها وحول حدودها، وهو موقف أسهم في إطفاء بعض اللهب في ما تعلق بقضية حساسة وخطيرة تكاد أن تشعل الأخضر واليابس وتصب في خانة التأجيج المذهبي البغيض، إلاّ أن هذا الموقف الإيجابي، نسفته مواقف الشيخ نعيم قاسم الحافلة بالاستعراضات الاستفزازية، والمتفذلكة على مواطني هذا البلد، كأنهم قطعان من البشر يسهل عليه مخاطبتهم بالقول الساذج واللهجة المتعالية، مما يتنافى مع مستوى كفاءات اللبنانيين الإدراكية والفكرية والثقافية.

وعليه… ها هو الرئيس تمام سلام، بما يتمتع به من إحساس وتوجه وطني صادق وحكيم، وما يتميز به من بعد نظر في مراقبته لحساسيات ومخاطر الوضع في المنطقة عموما، والوضع في لبنان خصوصا، ها هو يفرمل، حتى الآن، كثيرا من الأمور الشاذة، ويقوّي قدرته وقدرة حكومته على ضبط الأمور الخارجة عن المألوف والمعقول، وفي مقابل دعوة الجنرال عون إلى المقاطعة والعرقلة والفرملة، يقف الرئيس سلام سدا منيعا تجاه محاولات التخريب المستمرة في أسس الوطن ودعائمه وقواعده الميثاقية والدستورية، كما يواكبه الرئيس السنيورة في كل ذلك داعيا الجنرال إلى الوقوف عند حدوده، ذلك أن هذا الأخير، نسي أنه في لبنان، وأن هذا البلد، له ظروفه وأوضاعه وتاريخه وميثاقه ودستوره، وأن أحدا مهما علا شأنه لا يستطيع أن يستفرد بالآخر وأن يملي على الشعب إرادته الهمايونية.