IMLebanon

البُعد الإقليمي يصل إلى أزمة النفايات هل يجري تهديد سلام بالاستقرار الداخلي؟

وقف عدد من رؤساء البعثات الديبلوماسية الأجنبية المعتمدين في لبنان بذهول مرة جديدة امام سلبية الرأي العام اللبناني ازاء موضوع حيوي واساسي في يوميات اللبنانيين كأزمة النفايات التي عمت بيروت والمناطق من دون التحرك على نحو جدي وضاغط كبير يحرج المسؤولين ويجبرهم على المسارعة الى ايجاد الحلول اللازمة بالسرعة المطلوبة علماً ان ازمة النفايات ليست ازمة فريق أو حزب بل ازمة البلد ككل. سبق ان ذهل الكثير من هؤلاء ولا يزالون لعدم ضغط اللبنانيين على النواب من اجل الحضور الى مجلس النواب والمشاركة في انتخاب رئيس للجمهورية لاقتناع بان جملة الأزمات التي بات يعاني منها لبنان تجد جذورها في غياب المرجعية الدستورية الأولى كما ذهلوا في وقت من الأوقات لعدم ضغط اللبنانيين على نحو جدي وفاعل من اجل اجراء انتخابات نيابية ولاسباب اخرى مماثلة. والمبررات التي تطفو بسرعة على السطح تخلط الحابل بالنابل وتضيع المسؤوليات وفق منطق الانقسامات السياسية الموجودة. فعلى رغم ان لأزمة النفايات جذورها في مجموعة عوامل تقنية تتوزع فيها المسؤوليات على جهات حكومية وعلى مصالح جهات سياسية وسواها واعتراف وزراء ومسؤولين بذلك، فهي سرعان ما اتخذت ترجمة لها في سياق الاختلاف أو الاصطفاف السياسي القائم بحيث لبست لبوس الكباش الاقليمي السعودي – الايراني. وباتت تفيد هذه الترجمة وفق منطق سياسيي 8 آذار المعمم تقريباً في كل اوساطهم ان المسؤولية في الأزمة الراهنة تعود الى ضغوط بدأت تمارسها المملكة العربية السعودية في لبنان. فالتفسيرات تقول بان المملكة باتت بعد الاتفاق النووي تفتقد المبادرة في سوريا نتيجة وصول المعارضة التي تدعمها الى حدها الأقصى وعدم القدرة على التقدم وتحقيق انتصارات إضافية في ظل خطوط حمر كثيرة وهي لذلك لم تعد تملك سوى موقعين تحاول ان تمسك فيهما بزمام المبادرة: أحدهما اليمن حيث استطاعت استعادة عدن للسلطة اليمنية الشرعية التي تدعمها كما يشيع اصحاب هذا المنطق والآخر لبنان الذي باتت تتشدد المملكة في شأنه. فتحول دون ان يسيّر الرئيس تمام سلام مجلس الوزراء في حين بدت ازمة النفايات متفاعلة من ضمن تجاذبات في البيت السني نفسه وفي مناطق نفوذه اكثر منه في المناطق الأخرى في الوقت الذي بدا اطراف عديدون آخرون غير معنيين ومنكفئين وكأن الأزمة ازمة فريق وليست ازمة بلد بكامله حتى لو ان النفايات عمت شوارع العاصمة ومدن جبل لبنان. يوازي ذلك وفق اصحاب هذا المنطق ان لايران مصالحها التي ترفض المساومة حولها. وكلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن استمرار دعم الحزب أو عدم بيعه من ايران بعد الاتفاق النووي والذي بدا مفاجئاً للبعض ما دام احد لم يثر هذا الاحتمال هو في اطار تأكيد هذا المنحى وفق ما يقول هؤلاء. وذلك في الوقت الذي يفيد نفي السيد نصرالله انصراف ايران عن دعمه ان الموضوع طرح في كواليس ما من اجل ان يطمئن في شأنه من يعنيهم الأمر في الداخل أو ان يوجه رسائل ما الى الداخل والخارج أيضاً. كما انه حرص على التبني الكامل لمطالب حليفه المسيحي من اجل اقفال الباب على رهانات تقول بدعم هذا الحليف من دون اقتناع أو نتيجة اللعب على وتري الدعم لرئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة والدعم لحليفه المسيحي من جهة اخرى على رغم تناقض موقفيهما من جملة مسائل امام الحكومة ومن الحكومة نفسها.

ويغلب على اصحاب هذا المنطق التشاؤم على قاعدة: ان لا افق حلحلة في المدى المنظور ما دامت تنسب التطورات أو التعقيدات الداخلية الى المعطيات الاقليمية على اساس انها هي المؤثرة في تصاعد وتيرة الأزمة الأخيرة.

على رغم ترجيح نجاح الاتصالات والمساعي التي بذلتها جهات ديبلوماسية في الداخل أو عبر اتصالات خارجية في تجميد اعلان الرئيس سلام استقالته اقله في الوقت الراهن، فان “حزب الله” لم يعلن دعم مطالب عون لكي يتم اضعافها أو التنازل في شأنها، بل على العكس من ذلك باعتبار ان تشدده يرفع من مستوى سقف الصراع الحاصل بعد وهن اصاب موقع الحليف العوني اثر مواقف مباشرة من حلفائه. هذا التشدد يهدف للتأكيد ان ايران لم ولن تضعف في الملفات الاقليمية بعد الاتفاق النووي.

ثمة ضغوط في الشارع على الرئيس سلام تحديدا بدت عشوائية ولكن مدروسة من خلال رمي جماعات من الشباب نفايات في شوارع العاصمة واستفزاز الناس بما يضع الاستقرار الهش على حافة الخطر. وثمة رأيان في هذا الاطار احدهما يقول بان استشعار رئيس الحكومة بهذا الخطر يرجح ان يشكل رادعاً عملانياً له يمكن ان ينجح بالحؤول دون اعلانه استقالة الحكومة اكثر من أي اتصالات ديبلوماسية أو سياسية لهذا الغرض. فيما ثورة احراق الدواليب التي ذهبت بحكومة الرئيس عمر كرامي في العام 1992 لا تزال ماثلة في اذهان القوى السياسية التي لا تزال تقود اللعبة السياسية في البلد.

بالنسبة الى وضع داخلي لبناني استطاع حتى الآن تجاوز تحديات كبيرة لا بل هائلة لتماسكه واستقراره من تهديدات تنظيم الدولة الاسلامية أو في عز فوران العدائية المذهبية السنية الشيعية أو ربما من تداعيات الأزمة السورية على لبنان، سيكون اسهل نسف الوضع الراهن تحت عنوان ازمة النفايات منه أي سبب من الأسباب الأخرى المذكورة.