ردود الفعل المخيفة الآتية من حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية ومهلة الثلاثة أيام لضرب حصار جوي ضد كردستان بعدما صوّت أكثر من 90 في المئة من أكرادها بنعم للانفصال عن العراق في دولة مستقلة، لاقاها تصريح للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أثار هلعي وأنا أقرأ أنّ «أكراد العراق «سيتضورون جوعاً» عندما تمنع تركيا شاحناتها من عبور الحدود»، في أيّ عصر وألفية نعيش؟ ما الفرق بين هؤلاء وبين صدام حسين ومجزرة حلبجة التي قصفت فيها طائراته الشعب الكردي بالسلاح الكيماوي، ما الفرق بين «الإسلامي» رجب طيّب أردوغان وبين ما فعله «العلماني» كمال مصطفى أتاتورك بالأكراد؟ ألا يحقّ لقوميّة ما أن يكون لها دولتها ولغتها وتراثها وحضارتها حتى لو كان هناك خلافات بين أحزابها، أليس البديهي هو تعدد الأحزاب في كلّ بلاد العالم؟
بالطبع من السخافة بمكان التهديد باضطراب الشرق الأوسط بسبب قيام دولة للكرد بسبب إسرائيل، هذه الأخيرة ليست بحاجة لأحد لتشكل خطراً، لا العراق ولا على النظام الأسدي الحليف الأكبر لها في المنطقة، ولا على تركيا التي عادت المياه إلى مجاريها بينها وبين إسرائيل، ولا بينها وبين إيران صاحبة العلاقات الكبرى والاستفادة المتبادلة مع إسرائيل!
ليس علينا أن نعود إلى التاريخ البعيد والبحث في أصل الأكراد والمناطق التي جاؤوا منها، ولا إلى مراجع الشيعة كالكليني وسواه التي تنسب إلى الإمام الحسين تحذيره من مخالطتهم أو التزوّج منهم لأنّهم قبيل من «الجنّ»!! فلنعد إلى 10 آب العام 1920 وإلى معاهدة سيفر والتي نصّت أنّه من حق سكان إقليم كردستان إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم الذي يضم ولاية الموصل وفقا للبنود 62-64 من الفقرة الثالثة ـ من دون أن نخوض فيما اقترحه شريف باشا العضو في جمعية صعود كردستان) في مؤتمر باريس للسلام 1919 من خطوط العريضة لحدودها واعتراض بعض الأكراد عليها لأنها لم تضم منطقتهم ـ هذه المعاهدة فيها حقّ مكرّس للأكراد بأن يكون لهم دولة، تجاهل العالم هذا الحقّ ومخططاته اللاحق في معاهدة لوزان الثانية التي تم توقيعها في 24 تموز 1923 والذي وقعّها كمال أتاتورك لمصلحة قيام «جمهورية تركيّة» نزل فيها على شروط الصلح والمعروفة بشروط كرزون الأربع «وهو رئيس الوفد الانكليزي في مؤتمر لوزان» وهي: 1- قطع كل صلة لتركيا بالإسلام، 2- إلغاء الخلافة الإسلامية إلغاءً تاماً، 3- إخراج الخليفة وأنصار الخلافة والإسلام من البلاد ومصادرة أموال الخليفة، 4- اتخاذ دستور مدني بدلاً من دستور تركيا القديم.
تركيا أردوغان اليوم ترى أن الاستفتاء يهدد أمنها القومي وتخشى أن يثير النزعة الانفصالية بين الأكراد في جنوب شرقي البلاد، تركيا الوليدة على يدي كمال أتاتورك نفّذت مجازر إبادة بحق الأكراد فيها، ألم يرسل طائرة صبيحة غوكشن التي يحمل أحد مطارات تركيا اسمها وهي القائدة الأولى للطائرات الحربية في التاريخ الحديث، لتدكّ المحافظة الشرقية طيلة أيام، وكانت نتيجة هذا القصف مجزرة درسيم التي اعتذر عنها منذ مدّة رجب طيب أردوغان واعترف بحصول هذه المجزرة عام 1937 والتي كان ضحاياها الأساسيون الآلاف من الأكراد؟!
بعد أتاتورك أصبحت «تركيا» هي القوميّة، وأصبح كل من في تركيا تركي حسب الدستور التركي، ومعروفة الشعارات التي كانت تعلق على مداخل المدن التركية وساحاتها كانت تعلّق لافتات تقول: «أنا سعيد لأني تركي» وأطلق على الأكراد صفة «أتراك الجبال»، أما مصير كل من يتحدث عن الهوية الكردية أو يطالب بها فكان القتل أو الاعتقال أو النفي، وخضعت هذه المناطق الكردية طويلاً لحكم الطوارئ.
تركيا قومية وإيران قومية والعرب قوميّة لماذا لا يحقّ إذن للأكراد أن يكون لهم قوميتهم في دولة مستقلة؟ في الألفية الثالثة لم يعد مقبولاً الافتئات على الحقوق الإنسانية البديهية ولا تهديد شعب بتجويعه لمجرّد أنّه طالب بحقه في الاستقلال.