IMLebanon

التهديدات والمخاطر التي يواجهها لبنان بعيداً عن أي تهويل

 

أو مغالاة يمكن القول بأن لبنان هو في عين العاصفة، بعدما دخل فعلياً إلى «جهنم» التي سبق أن بشّرنا الرئيس ميشال عون قبل ما يقارب السنة بأنه يتجه لدخولها، نتيجة الأزمة المالية والنقدية التي يواجهها، مع ما تسببت به من تأثيرات وتداعيات كارثية على لقمة عيش الناس، وعلى الصراعات الاقليمية والأزمة السياسية الداخلية المتفاقمة بمجموعة من التهديدات التي يمكن ان تزعزع الكيان والدولة، أو أن تدفع نحو الدخول في حرب أهلية جديدة.

 

تؤدي أية مقارنة تقييمية للاوضاع الداخلية في ظل الأزمة السياسية والمالية والمعيشية التي يواجهها لبنان، وفي ظل التطورات الاقليمية الراهنة إلى الاستنتاج بأن البلد بات مطوقاً بمجموعة من المخاطر والتهديدات المصيرية وأبرزها:

 

أولاً: تهديد الاستقرار والأمن بفعل تساقطات الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية التي يواجهها. ولا نتحدث هنا عن الحوادث والاشتباكات المحلية المتنقلة بين المناطق لأسباب مختلفة أو عن الجرائم والسرقات، بل نتحدث عن الحوادث التي شهدها البلد في الطيونة وعين الرمانة، والتي خطط لها لتحقيق مكاسب سياسية بين قوى سياسية رئيسية، والتي يمكن أن تؤسس لفتنة داخلية، على غرار ما فعله الهجوم على الحافلة في نيسان عام 1975، ودخول البلد في حروب داخلية دامت ما يزيد على عقد ونصف.

 

ولا بد هنا ان نتساءل إذا كانت التحقيقات الجارية في احداث الطيونة – عين الرمانة ستؤدي فعلياً إلى وأد الفتنة، أم أنها ستؤدي إلى هدنة قصيرة، في ظل ما يمكن ان يترتب عليها من ضغوط سياسية وقضائية، بدأت طلائعها باستفراد سمير جعجع كرئيس حزب القوات اللبنانية بالتحقيق الجاري، دون استدعاء اي مسؤول حزب من حزب الله او حركة امل للتحقيق معه عن المسؤوليات المترتبة عن الاشتباك الذي ذهب ضحيته سبعة قتلى.

 

ثانياً: دفع الحكومة للاستقالة أو شل مجلس الوزراء بالحؤول دون انعقاده بحجة التوترات والمطالب السياسية التعجيزية الناتجة عن مسار التحقيق في جريمة المرفأ او التحقيقات الجارية في احداث الطيونة – عين الرمانة، وبالتالي تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف اعمال، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات على الاوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية.

 

يبدو من الأجواء السائدة بأن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لا يستعجلان دعوة مجلس الوزراء للانعقاد في المستقبل المنظور وبما يؤشر إلى عدم رغبتهما في مفاوضة توجه حزب الله لممارسة كل اشكال الضغوط الممكنة لاقالة المحقق العدلي طارق البيطار، وذلك كخطة اساسية على طريق تعطيل العدالة في جريمة مرفأ بيروت. ليس هناك في الافق ما يشير إلى تراجع حزب الله عن ضغوطه لاقالة المحقق العدلي بقرار سياسي بعدما فشل في عملية عزله بالطرق القضائية التي لجأ إليها.

 

ثالثاً: تأجيل الانتخابات النيابية والتمديد للمجلس الحالي، وذلك بالرغم من رغبة أكثرية اللبنانيين باستعجال اجرائها وعلى اساس انها الوسيلة الوحيدة المتبقية لتجديد الطبقة السياسية والحد من مفاعيل آفة الفساد التي نخرت جسم الطبقة السياسية ومؤسسات الدولة.

 

يبدو جلياً أن القوى السياسية الراهنة، وفي مقدمتها حزب الله ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر لا يرغبون في اجراء انتخابات في الوقت الراهن، وذلك في محاولة للحفاظ على الأكثرية النيابية الراهنة، وهذا ما تؤشر اليه المواقف التي عبرت عنها هذه الأطراف بعد اقرار التعديلات في مجلس النواب وردها من قبل رئيس الجمهورية، مع تهديد رئيس التيار جبران باسيل بالطعن بالقانون امام المجلس الدستوري.

 

لا يبدو أن هذه القوى المعارضة لاجراء الانتخابات تأخذ بعين الاعتبار المواقف الدولية المطالبة باجراء الانتخابات النيابية، وذلك بالرغم من ادراكها للنتائج المترتبة على ذلك سواء لجهة فرض مزيد من العزلة المالية ووقف المساعدات او لجهة فرض عقوبات اوروبية واميركية على القيادات السياسية المسؤولة عن التعطيل أو التأجيل.

 

رابعاً: العمل على استكمال انهيار الدولة بكامل مؤسساتها الاساسية من خلال استهداف استقلالية القضاء وقضاته المنزهين عن التبعية والفساد، واستهداف المؤسسة العسكرية والتي تشكل اللبنة الأساسية لهيكل الدولة والاستقلال والسيادة. يبدو من الخطابات والمواقف التي عبّر عنها السيد حسن نصر الله في خطبه واطلالاته الاعلامية، بالاضافة إلى مواقف قياديين كبار في الحزب بأن هناك نية لاسقاط العدالة في البلد من خلال «قبع» المحقق العدلي البيطار، وبالتالي اقفال التحقيق في جريمة العصر، وذلك بعد شعور حزب الله بأن التحقيق يتجه إلى تحميله مسؤولية استقدام وخزن نيترات الامونيوم في مرفأ بيروت، مع كل ما يمكن ان يستتبع ذلك من أثمان سياسية ومالية سيطالب الحزب بتحملها من جميع المتضررين ولا يمكن ان يخفى عن احد الاستهداف المباشر للجيش بعد الخطاب الذي ألقاه قبل اسابيع الشيخ هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، عندما تحدث عن الاختراقات الأميركية لمؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وبأنه لم يحن بعد موعد معالجتها، مع كل ما يترتب على هذه المعالجة من نتائج ومفاجآت. ولا يمكن تجاهل في هذا التهديد غير المباشر قائد الجيش العماد جوزيف عون، والذي يشكل منافساً كبيراً لموقع رئاسة الجمهورية لأي مرشح يمكن ان يدعمه حزب الله لتأمين استمرارية هيمنته على القرار الوطني.

 

وما يؤكد استهداف المؤسسة وقائدها المواقف والتسريبات التي تسربت إلى الاعلام حول مسؤولية الجيش باستهداف المتظاهرين في حادثة الطيونة – عين الرمانة، أو حول المطالبة باستقالة قائد الجيش، وذلك بالرغم من نفي هذه الشائعات وبالرغم من كلام السيد نصر الله عن ضرورة المحافظة على الجيش.

 

يبدو ايضاً بأن دعوة سمير جعجع للاستماع لشهادته في مديرية المخابرات، هي جزء من هذا السياق لاستهداف وحشر قيادة الجيش، من خلال دق اسفين بينها وبين شريحة واسعة من المسيحيين ومن اللبنانيين، بالاضافة إلى النيل من سمعة قيادة الجيش والتشكيك باستقلالية قرارها من قبل الدول الخارجية التي تدعم المؤسسة العسكرية.

 

خامساً: يشكل احتمال نشوء حرب بين اسرائيل وحزب الله تهديداً مصيرياً للبنان، حيث من المرتقب ان تدمر آلة الحرب الاسرائيلية المتفوقة بقدراتها النارية جميع البنى التحتية اللبنانية، بالاضافة إلى تدمير جميع الجسور وخطوط المواصلات، مع عدم استبعاد تحميل اسرائيل مسؤولية الحرب للدولة اللبنانية، وبالتالي مهاجمة مواقع وثكنات الجيش وعدد من المؤسسات الرسمية. لا يمكن في حال اندلاع مثل هذه الحرب توقع السيناريو الذي تحدثت عنه في كتاب «الاستراتيجية الاسرائيلية لتدمير لبنان» والتي تتضمن تدمير كل ما يمكنها من الثروة العمرانية في الجنوب، وطرد السكان إلى ما وراء خط جسر الأولي – جزين – ضهر الأحمر في البقاع الغربي، والمساومة من هذا الخط على تفكيك البنية العسكرية لحزب الله بضمانة دولية وعربية.

 

إن ما يدفعني إلى الحديث عن هذا التهديد المصيري التوتر الحاصل بين اسرائيل وايران على خلفية برنامجها النووي ووجودها العسكري حول دمشق وفي الجنوب السوري. وتشير المعلومات الاسرائيلية إلى انها قد رصدت ملياراً ونصف مليار دولار لمهاجمة البرنامج النووي الايراني. وستؤدي في تقديري اية عملية اسرائيلية مباشرة ضد اي موقع نووي ايراني إلى ردود فعل ايرانية يشارك فيها حزب الله، وعلى اساس انه الجهة القادرة على النيل فعلياً من اسرائيل من خلال قوته الصاروخية الكبيرة جداً. وستؤدي عمليات قصف حزب الله لاسرائيل دون ادنى شك إلى شن حرب واسعة ضد لبنان.

 

هذا هو الخيار الأخطر، والذي يمكن وقوعه وذلك في ظل سياسات ايران الراهنة سواء للمماطلة في العودة إلى محادثات فيينا او في ظل ممانعتها للمراقبين الأمميين في دخول مواقعها النووية الحساسة. وستؤدي هذه السياسات الايرانية المتعنتة إلى الدفع نحو اعتماد الخيار العسكري والتهديد باللجوء اليه من قبل واشنطن وتل ابيب. ومن المرجح ان يبدأ بعملية من هذه الأخيرة، خصوصاً اذا ما اطمأنت إلى موقف اميركي داعم لها.

 

هذه هي المخاطر والتهديدات التي يواجهها لبنان داخلياً واقليمياً، كلها خيارات خطيرة تهدد كينونة وهيكل الدولة، كما تهدد من خلال السيناريو الخامس مستقبل لبنان السياسي والعمراني.

 

تفترض المخاطر المترتبة خلال هذه المرحلة ان يبادر رئيس الجمهورية للدعوة إلى طاولة حوار وطني لايجاد خارطة طريق لحل الأزمة السياسية الراهنة، والتأكيد على ضرورة انطلاق عجلة الحكومة ودفعها لتنفيذ اجندتها لمعالجة الأزمة المالية والمعيشية بالاضافة إلى العمل لاجراء الانتخابات النيابية مع الحفاظ على استقلالية القضاء وتأمين صدور قرار اتهامي بجريمة المرفأ. ولا بد للرئيس عون كحليف لحزب الله من استيضاح قيادته حول مدى التزامها بمصلحة لبنان والجنوبيين من شعبه في خياراتها واستراتيجيتها على المستوى الاقليمي.