ليس جديدا تلويح اسرائيل بشنّ حرب على حزب الله تدمّر لبنان. ولا خارج الأسلوب الكلاسيكي في التمهيد للاعتداءات ان تستخدم الخطاب العسكري الايراني ضدها للايحاء ان ما تهدّد به هو حرب وقائية تستبق هجوما كبيرا تعدّ له طهران بالاتكال على حزب الله. فعلى مدى شهور طويلة، ونحن نسمع بين وقت وآخر وزير الدفاع الاسرائيلي وسواه من قادة العدو يهدّدون باعادة لبنان الى العصر الحجري. وبين غارة وأخرى على قواعد ايرانية في سوريا وصواريخ منقولة لحزب الله، يتركّز الخطاب الاسرائيلي على خطة ايرانية لارسال مئات آلاف المتطوعين الى جبهة في سوريا ولبنان مفتوحة على اسرائيل.
لكن رئيس الأركان الاسرائيلي الجنرال غادي ايزنكوت لجأ مؤخرا الى الوضوح الكامل. فهو يرى فرصة أكبر مما كانت عليه في السنوات الثلاث السابقة لنشوب حرب هذه السنة، ويوحي ان من المحتمل ان يقود الحرب في سنته الأخيرة في الخدمة العسكرية. وعلى الرغم من قوله ان الخطر العسكري الأكبر على اسرائيل يكمن في الجبهة الشمالية المتمثلة بايران وسوريا ولبنان، فانه يعتبر ان احتمال حصول تدخل ايراني محدود جدا. لا بل انه يحدّد سلفا الأهداف التي ستتعرّض للقصف من دون رحمة للمدنيين، بحيث لن ينسى أحد في المنطقة صورة الدمار في لبنان.
وما يتجاهل الحديث عنه هو حجم الدمار الذي سيلحق باسرائيل، وسط الكلام على مئة ألف صاروخ لدى حزب الله. وهذا ما يجعل اسرائيل تحسب ألف حساب لشنّ حرب، يقال ان قرارها متخذ بالمعنى الاستراتيجي، لكن التنفيذ خاضع لحسابات معقّدة ويصطدم بعوامل وحواجز عدة أبرزها ثلاثة:
الأول هو قدرة أو عدم قدرة اسرائيل على دفع فاتورة الدمار المعرّضة له، وبالتالي اجراء ما سمّاه كلازفيتز وجوب الموازنة بين كلفة الحرب وفوائدها السياسية.
والثاني هو الحاجة الى قرار أميركي لأن الحرب ستكون في اطار استراتيجية الادارة الأميركية التي عنوانها كبح النفوذ الاقليمي لايران والخروج من الاتفاق النووي. فضلا عن ان الحرب معرّضة للتوسّع ومشاركة ايران مباشرة، بما يجعل المشاركة العسكرية الأميركية المباشرة من الضرورات، وخصوصا اذا كان بين الأهداف قصف المفاعلات النووية الايرانية.
والثالث هو دور اللاعب الروسي الذي دخل مباشرة في اللعبة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وهو يدير حرب سوريا. ومن الصعب على اسرائيل ان تتخطى الخطوط الحمر لروسيا في سوريا.
ولا أحد يعرف ان كان العامل الذاتي يلعب دورا. إذ يقال ان نتنياهو المهدّد بالمحاكمة قد ىلجأ الى الخروج من مأزقه بالهروب الى حرب أو الى انتخابات مبكرة. لكن المسألة أشدّ تعقيدا وخطورة.