دخلت البلاد مدار الأعياد وتوالت الاحتفالات لإضاءة شجرة الميلاد ومغارته على وَقع همس بوجود سيناريوهات لصيغة موسّعة للتشكيلة الوزارية تستوعب الجميع. فتتلاقى التهاني بها مع حلول الأعياد في أجواء توحي بأنها ستكون مميزة بكل المعايير الإحتفالية بما فيها التهليل باكتمال الحجوزات في الفنادق بنسبة مئة في المئة. فكيف تمّ التوصّل الى هذه المقاربة؟
في ظل الصمت المخيّم على الدوائر المعنية بتشكيل الحكومة الجديدة، وخصوصاً في «بيت الوسط» وقصر بعبدا، وغياب الحديث عن حركة الإتصالات والإقتراحات حول تجاوز العقبات التي حالت دون ولادتها قبل عيد الإستقلال وما تبع ذلك الموعد من ركود أوحى انّ المهتمين بالتشكيلة الجديدة قد تنازلوا عن المهمة الموكلة إليهم وانّ هناك من يعمل لهذا في مكان آخر من العالم.
ومناسبة هذا الحديث ما نقله مهتمون بالملف الحكومي من انطباعات مفادها انّ حركة الإتصالات المكثفة التي شهدتها أروقة «بيت الوسط» وتلك التي سادت لقاءات قصر بعبدا ونشاطاته، تتناول في هذه الأيام كل شيء إلا التشكيلة الحكومية.
فتركزت حول الأوضاع الإقتصادية والمالية والأمنية وعلاقات لبنان بالعالمين الغربي والعربي والدول الخليجية منها خصوصاً وضرورة ترميمها على وَقع الهجمة الديبلوماسية في اتجاه لبنان من مختلف القارات.
وقال أحد زوّار «بيت الوسط»، من الذين يعاينون عن قرب عملية تأليف الحكومة وما يعوق التشكيلة التي كانت جاهزة بنسبة 58% قبل عيد الإستقلال، إنه خرج من لقاء عُقد قبل يومين وهو يضرب أخماساً في أسداس سعياً الى استيعاب الرواية التي تقول انّ أبرز اسباب تأخير ولادة الحكومة يقف عند مصير حقيبة الأشغال ولمَن ستؤول. وهل ستبقى من حصة حركة «أمل» أم انها ستكون لـ«المردة» أو لـ«القوات اللبنانية»؟
ذلك انّ المواقف المعلنة من هذه العقدة وما فيها من مظاهر التحدي لا زالت تتقدم السباق الى الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل وكأنّ «الزفت» كان وسيبقى من أهم المفاتيح الإنتخابية.
وفي مثل هذه الأجواء يتلاقى زوار «بيت الوسط» وزوار القصر الجمهوري على مثل هذه القراءة. فإلى ما تلمّسه البعض من اطمئنان الرئيس سعد الحريري الى مصير مهمته والمساعي المبذولة لحل العقد الحكومية متفائل بقرب ولادة الحكومة من دون أن يدخل في التفاصيل.
وهو بلغ في حديثه عن الموضوع الى الإيحاء انّ التشكيلة الكاملة موجودة في جيبه في انتظار مخاض الولادة سواء تمّت طبيعية او بعملية قيصرية. وانّ على اللبنانيين المنشغلين بالبحث عن العقبات التي حالت دون ذلك التوقّف عن التنظير ومراقبة الطريق الى قصر بعبدا متى قصدها الرئيس المكلّف.
وفي مقابل انطباعات زوار «بيت الوسط» كان اللبنانيون يستمعون الى تطمينات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أكد امام بعض زواره الثلثاء الماضي «ان لا خوف من التأخير في تشكيل الحكومة»، آملاً ان تتشكّل قريباً «لتحقيق الاهداف التي حددناها وفي مقدمها محاربة الفساد الذي يَنهش قدرات الدولة». متوسّعاً في الحديث عن معاناة اللبنانيين «من الإهمال المُستدام والفساد المستدام» بدلاً من السعي الى «الإنماء المستدام» لضمان الإستقرار وتشجيع الإنتاج ووقف هجرة الشباب وتصديرهم إلى الخارج.
وأمام هذه المفارقة، ملّ المراقبون من الأخبار عن معالجات أزمة تشكيل الحكومة التي تدور منذ ثلاثة اسابيع تقريباً حول مصير حقيبة الأشغال الى ان تسرّب قبل ايام حديث عن ضرورة حسم قانون الإنتخاب ومضمون البيان الوزاري وربما ما هي الدول التي سيزورها رئيس الجمهورية اولاً بأوّل من اليوم قبل تشكيل الحكومة، عَدا عن قضايا كانت قبل انتخاب رئيس الجمهورية على لائحة «السلة المتكاملة» المقترحة، والتي وجب التفاهم في شأنها قبل انتخاب الرئيس على ان يتعهّد الجميع بتنفيذها بعد انتخابه لتأخذ مجراها القانوني والدستوري عبر المؤسسات.
ولذلك، فقد دلّت هذه المواقف الى انّ العثرات الحقيقية التي يتحاشى البعض البوح بها لا تقف عند مصير الحقائب السيادية والخدماتية و«الفيتوات» المتبادلة التي ما زالت قائمة في جانب من الأزمة، ولا بما سمّي بـ«نفخ حصة» «القوات اللبنانية» واستبعاد الأحزاب التي لم تنتخب عون واقترعت بالأوراق البيض او بورقة «ثورة الأرز» او جيلبيرت زوين وميريام كلينك بمعزل عن تسميتهم الحريري لتشكيل الحكومة، بل لتصِل الى تفكيك كل التفاهمات التي «فقّست» قبل الإنتخابات الرئاسية، ولا سيما منها تلك التي عقدها «التيار الوطني الحر» مع «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» ووزعت الحقائب ولربما بلغت قانون الإنتخاب الجديد وقضايا أخرى حساسة.
وعليه، وبمعزل عن كل أسباب الخلافات التي تعوق التشكيلة الحكومية، وعلى رغم التصنيف الجديد لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل للأصدقاء القدامى والجدد وحرصه على ضمّ الجميع الى الحكومة، تبقى المخاوف قائمة من القُطَب المخفية التي يمكن ان تبرز في اي وقت كالإتهام الموجّه اليوم الى البعض بأنّ النية واضحة في تأخير التشكيلة تمهيداً لضرب كل المهل الخاصة بقانون الإنتخاب منعاً لأيّ خطوة تقود الى القانون الجديد أو جرّ الحكم الى التمديد لمجلس النواب ولَو لـ«فترة تقنية قاتلة»، فالمبدأ لا يفرّق بين التمديد ليوم واحد كما لسنة او لولاية كاملة.
لذلك سيبقى الوعد بتشكيل الحكومة رهن مناسبات مقبلة على أبواب ثلاثة مواعيد ميلادية. فهل تشكّل الحكومة قبل المولد النبوي في 11 الشهر الجاري؟ أم قبل ميلاد السيد المسيح في 25 منه؟ أم عيد الميلاد عند الأرمن في 6 كانون الثاني العام المقبل؟ أم انّ الأزمة ستتجاوز المواعيد الثلاثة الى رابع هو في «ميلاد قانون الإنتخاب الجديد»؟!