كان الرئيس المرحوم كميل شمعون يقول: معركة رئاسة الجمهورية تبدأ منذ اليوم الأوّل لإعلان النتيجة… أي فور إعلان إنتخاب الرئيس وحتى قبل تسلمه مهامه الرئاسية.
قد يكون في هذا الكلام بعض من المبالغة، إلاّ أنه يدل بوضوح على أنّ المرشحين الرئاسيين لا يستكينون، فهم في سباق مع الوقت قدر ما هم في سباق مع المنافسين.
والمعارك الإنتخابية الرئاسية في لبنان بالغة السهولة والصعوبة في آن معاً. فأنت تعرف من هم المرشحون (عفواً: أنت تعرف من هما المرشحان الجدّيان) ولكنك لا تعرف من هو المرشح (الحصان الأسود) الذي قد يأتي من خارج السباق.
منذ قبيل الإستقلال وحتى عهد الوصاية السورية على لبنان كانت المعارك الإنتخابية محصورة بين مرشحين بارزين… هذا لا ينفي طموح كثيرين من المستحقين وغير المستحقين… إلاّ أنّه كان معروفاً أن واحداً من الإثنين البارزين سيكون الرئيس: كان معروفاً، في المرحلة التحضيرية للإستقلال، إن المعركة محصورة بين بشارة الخوري، واميل إدة. وبعد سقوط الرئيس الخوري في «الثورة البيضاء» التي لم تُرَقْ فيها نقطة دم واحدة، إن المعركة محصورة بين «الوزير – الظاهرة» كميل شمعون والزعيم البارز حميد فرنجية الذي يعرف الجميع انه نام رئيساً للجمهورية ليستيقظ اللبنانيون على شمعون في قصر القنطاري. وبعد كميل شمعون كان معروفاً أنها محصورة بين اللواء (قائد الجيش) فؤاد شهاب والعميد («قائد» المعارضة) ريمون إدة. وبعد فؤاد شهاب إنحصرت المعركة بين شارل حلو وريمون إدة.
وبينما كانت الطاسة الرئاسية ضائعة في نهاية عهد حلو، بين الأقطاب الموارنة الأربعة، كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إدة وسليمان فرنجية، جاء «الحصان الأسود» الياس سركيس من خارج السباق لتنحصر المعركة بينه وبين سليمان فرنجية مدعوماً من الثلاثة الآخرين (أقطاب «الحلف الثلاثي»)ليصل نائب زغرتا وهو كان احد زعماء «تكتل الوسط»، الى الرئاسة… وبعده حصرت المعركة بين سركيس وإدة… ليفوز سركيس وتكون الأحداث الدموية قد «أكلت» الكثير من ديموقراطية لبنان وتقاليده… فتبدّلت الأمور تبدلاً جذرياً بوجود الإحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية (…) الى أن وصلنا الى «تعيين» الرؤساء من دون معارك.
واللافت أن من يبرز في الصورة يعود ليصبح رئيساً… فكميل شمعون كان الأبرز في عهد الخوري، بل قبيل الخوري يُقال أن صغر سنه حال دون تحقيق حلمه الذي عاد فتحقق بعد الخوري، وشهاب «تدرج» في الرئاسة لبضعة أيام اثر سقوط الخوري (رئيساً للحكومة الإنتقالية) حتى إنتخاب شمعون، فوصل بعده. والياس سركيس برز في مواجهة فرنجية ليخلفه… وحده العميد ريمون ادة برز في تلك المراحل قاطبة ولم يصل. ونحن من الذين يقولون لم يرد أن يصل خاضعاً لإمتحان هنا أو بتأثير خارجي هناك…
واليوم من لا يعرف أن سليمان فرنجية الحفيد الذي خاضها ولم يخضها ضد العماد عون هو المرشح الفاڤوري في نهاية عهد الجنرال عون… ومن لا يعرف أن جبران باسيل وسمير جعجع يمشطان ذقنيهما لتلك الساعة؟!. ولكن من لا يتوقع بروز مرشح من خارج السباق قد يكون «مغواراً» آتياً من ضمير الناس ووجدانهم؟!.