تشهد الساحة الداخلية تصعيداً يكاد ينقل التوتر السياسي الى الشارع بسبب الاجواء التي خلفها القرار السعودي بالغاء الهبة التي كانت مقررة للجيش اللبناني والقوى الامنية، ويخشى من ان تتفاعل هذه التداعيات الساخنة لتزيد الوضع تدهورا على غير صعيد.
واذا كانت بعض المواقف قد ذهبت الى حدود «اعلان الحرب» على الحوار، فان نجاح الرئيس نبيه بري من بروكسل بعقد جلسة الحوار الثنائي بين حزب الله و«المستقبل» وان كان بحضور غير كامل يعطي انطباعاً بان قيادتي الطرفين لا ترغبان في الانتقال الى القطيعة النهائية على الرغم من المناخ المتفاقم بينهما.
وكما عبر رئيس المجلس امام زواره فان لا بدائل عن استمرار الحوار سوى المزيد من التأزم والتدهور وهو الامر الذي يدفع بالبلاد الى حالة من الفوضى غير المحسوبة نتائجها.
وعلى الرغم من هذا المناخ والضغوط الساخنة التي يتعرض لها لبنان، فان ثمة اعتقادا بان السقف الذي حكم الوضع العام حتى الان لم يزل موجوداً برغبة دولية وارادة داخلية الى حد ما.
وبرأي مصادر سياسية بارزة ان الضغوط وموجة التصعيد التي نشهدها مؤخراً لن تطيح بالحوار اكان على المستوى الثنائي او الوطني، خصوصا ان الاطراف المعنية تدرك مخاطر مثل هذه الخطوة على كل المستويات.
وتضيف أن هذه الاجواء المتوترة تفرض اكثر من اي وقت مضى تغليب لغة الحوار على ما عداها، لان انقطاع التخاطب المباشر بين الاطراف اللبنانية يعني الذهاب الى مرحلة «المتاريس السياسية» على الاقل، وما يمكن ان ينجم عنها من مضاعفات خطيرة.
واذا كان المناخ المستجد يحول دون تحقيق نتائج ايجابية على مستوى الازمة السياسية بصورة عامة، فان الحوار يبقى الاداة او الوسيلة المتاحة والممكنة للجم التدهور وعدم الانفلات او الانحدار الى المزيد من مظاهر الفتنة وعدم الاستقرار.
وترى المصادر ان المحافظة على الحوار واستمراريته خطوة غير كافية، وان المطلوب من الجميع تخفيض سقف الخطاب السياسي والتعاون في اطفاء بؤر التوتر في الشارع، وهذا يستلزم ايضا التهدئة الاعلامية خصوصا بعد ما شهدناه من مظاهر توتر بسبب بعض المواقف والبرامج الاستفزازية.
الى جانب ذلك تقول المصادر، ان الوضع الامني يبقى خطّا احمر لا يجوز تجاوزه بأي شكل من الاشكال. وتعتقد بأن القرار الدولي بالمحافظة على الاستقرار العام في لبنان مستمر رغم الضغوط التي تعرّض ويتعرض لها.
وترى المصادر السياسية البارزة ان ما جرى ويجري مؤخرا من توتر وقلق يحتاج الى جهود داخلية اضافية للجم الشارع بدلا من اطلاق المواقف النارية التي تساهم في شحن النفوس، او تزيد من بث اجواء الفتنة. وهذا يفترض مساعدة الجيش والقوى الامنية في معالجة الحوادث واتخاذ الخطوات الحازمة ضدالمخليّ بالامن مثلما حصل في السعديات.
وبالنسبة للوضع الحكومي فإن نجاح الجلسة الاخيرة في تجاوز اجواء الغليان ، يبرهن بأن لا احد يريد انفراط العقد الحكومي وسقوط الحكومة لأنه يدرك ان الذهاب الى مثل هذه الخطوة يعني الانحدار نحو المجهول والفوضى خصوصا في ظل الوضع المتردي التي تعيشه المؤسسات الدستورية والشغور الرئاسي.
ومما لا شك فيه وبشهادة الجميع، فإن بري لعب ويلعب دورا اساسيا في درء المخاطر التي تحيق باستقرار البلاد امنيا وسياسيا، ولذلك فقد باشر من بروكسل وفور عودته منها باجراء جولة من الاتصالات واللقاءات لتخفيف حدة التوتر والمحافظة على الحدّ الادنى من الاستقرار وديمومة عمل المؤسسات بالحدّ الادنى.
وتخلص المصادر الى القول «رغم كل ما يعصف بالبلاد من ضغوط واجواء تصعيدية داخلية ومستوردة فإن هناك ثوابت ثلاث لا يمكن التفريط بها هي: استمرار الحوار، وبقاء الحكومة، والمحافظة على الوضع الامني والاستقرار العام».
ولا بد هنا، من التوقف عند الازمة الرئاسية المستعصية التي تشكل عنصرا مهما في تعزيز تحصين البلاد، وهذا يفترض تضافر الجهود من اجل انجاز الاستحقاق الرئاسي في اقرب وقت ممكن على قاعدة الوفاق والتوافق.