IMLebanon

أزمة مثلثة الأبعاد بين اميركا وتركيا

 

التصعيد المتبادل في فرض العقوبات بين اميركا وتركيا ليس صاعقة في سماء صافية بين حليفين في الناتو. ولا هو كسلاح في ادارة ازمة أكبر من أسبابها المباشرة المعلنة قليل التأثر بالعامل الشخصي لدى رئيسين متشابهين في الشعبوية والنرسيسية. فالأزمة بين البلدين ترافق مشكلة في اميركا مع الرئيس دونالد ترامب، ومشكلة في تركيا مع الرئيس رجب طيب اردوغان. والخروج منها محكوم بحسابات تتجاوز المضاعفات المالية والاقتصادية الى الابعاد الاستراتيجية والجيوسياسية. فضلا عن ان اللعبة تدور على مسرح واسع بحيث يحتاج اللاعبان الاميركي والتركي الى ادوار اللاعبين الآخرين وتقدير حساباتهم.

والسؤال هو: هل فقدت انقرة أهميتها في استراتيجية الأمن القومي الأميركي ولم تعد حتى قاعدة انجرليك العسكرية ورقة في يدها، الى درجة ان ترامب يعاملها باستكبار؟ هل صار اردوغان يستسهل الوقوف في وجه الحليف الاميركي انطلاقا من تنامي الاقتناع بأن حسابات الأمن القومي التركي تسمح بالخروج من عضوية الناتو أو أقله بوضع قدم في الناتو وقدم في موسكو؟ والى اي حد تستطيع انقرة الرهان على اصدقاء جدد في آسيا التي صارت واشنطن تعطيها الاولوية الاستراتيجية، كما في اوروبا التي اوحى ترامب ان موقعها الاستراتيجي في الميزان الاميركي لم يعد كما كان ايام الحرب الباردة؟

ليس في اميركا وتركيا واوروبا وآسيا وحتى في روسيا اجوبة جاهزة عن هذه الاسئلة وسواها. لكن الخبراء الاقتصاديين في تركيا يرون، كما تنقل عنهم النيويورك تايمس، ان الازمة المالية والاقتصادية سابقة للعقوبات الاميركية. فالدين العام وصل الى ٤٦٠ مليار دولار. والاستثمار الخارجي يتراجع. واردوغان الذي يمسك بكل السلطات ويسيطر على السياسة والأمن والاعلام والقضاء ويتحكم بالمصرف المركزي ويعطي وزارة المال والاقتصاد لصهره، يحاول تطويع السياسة المالية والنقدية ومنطق الاسواق الكونية لخدمة اهدافه السياسية.

وهو بالتالي المشكلة، لا الحل. فضلا عن انه بدأ يوسع خطوات الدمج بين الحزب والدولة عبر الغاء مناصب وكلاء الوزارات او المدراء العامين على الطريقة الفرنسية من كبار البيروقراطيين الذين يمثلون الدولة وتعيين نواب، وزراء وسياسيين ضمن التوظيف الحزبي، أي ما يسميه الخبراء تسييس الدولة.

 

 

والمفارقة ان النمو الاقتصادي التركي كان سبب شعبية اردوغان. وليس اصعب من الحرب المالية والاقتصادية مع اميركا ودولارها سوى حل الأزمة المالية والاقتصادية بالعصا والغضب. واردوغان رئيس غاضب باستمرار، فشل في العثمانية الجديدة وفي صفر مشاكل مع الجيران، ونجح في صناعة مشاكل مع المنطقة وحتى مع اوروبا.