اشارت احدى المرجعيات السياسية الى انه، لا ريب في أن تنظيف الدولة من مخلفات الفساد يشبه تنظيف الدرج، ينبغي أن يبدأ من الأعلى نزولا إلى الأسفل. لكننا اعتدنا منذ زمن بعيد على تنظيف الفساد من أسفل الدرج، فنحاسب الفقير ونغض النظر عن الوزير. نعاقب العامل المقصر، ولا نعاتب المدير المدمر. نوبخ صاحب المخبز الذي يغش في بيع الخبز والغذاء، ونصفع الموظف الذكي المعروف بمواهبه المهنية والتقنية لأنه أخطأ مرة واحدة في ورشته، ونصفق لمديره الغبي الذي لا يفهم شيئاً في عمله، ولا نعترض على الذين حذفتهم علينا رياح المحاصصة والمحسوبية والمنسوبية. ولا شك في أن عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب سيؤدي حتماً إلى تفشي الفوضى في أي موقع يشغله الشخص غير المناسب, فكيف يأتي التغيير على يد الذين لا يجيدون التغيير؟ وكيف يمكن أن نصحح المسارات الخاطئة إذا كنا غير قادرين على منع تكرار المخالفات والانتهاكات؟ وكيف نستطيع محاربة الفاسد إذا كان مديره وحزبه وعشيرته يوفرون له فرص الإفلات من العقوبة والمحاسبة والمسائلة؟
وتساءلت المرجعية، من أين يأتي التغيير إذا كان الحرامي يسرق علانية وفي ضوء النهار من دون أن يخشى أحداً، ومن دون أن نحاول ردعه ومقاومته؟ ومن أين يأتي التغيير إذا كنا نحن أنفسنا لا رغبة لنا بالتغيير، ولا نفكر في التغيير، ولا نطالب المفسدين بأبسط حقوقنا وأبسط استحقاقاتنا؟ لذا هناك محركات ثلاثة لهذه الاحداث الأخيرة أولها المحرك الجماهيري، ثم محرك المرجعية ومن ثم والاهم هو انتخاب رئيس للجمهورية:
بالنسبة للأول، اي الجماهيري، فإن أهم معلم أو ملمح له هو إدراك الجماهير أن أساس الفساد السياسي والمالي ينبع من طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الحزبية التي ورثناها عن نظام المحاصصة المذهبي تحت مسميات خادعة مثل «الشراكة الوطنية» والتي ثبت أنها كانت شراكة من لا يتشاركون بشيء وأنها لم تكن أكثر من وسيلة لتوفير الغطاء السياسي للمفسدين من طرف زعماء كتلهم.
والمحرك الثاني وهو المرجعية فإن أبرز سمة لهذا المحرك هو ان تكون ذات طابع وطني عام وذلك من خلال تبنيها لهموم الناس وهكذا تصبح المرجعية عنصرا هاما ليس باختيارها هي بل باختيار الجماهير لها بسبب مواقفها القريبة منهم، الأمر الذي يجعلها قوة تحظى بثقة الناس أكثر من أي قوة سياسية موجودة على ارض لبنان وتصبح مصدر قلق ليس للسياسيين الفاسدين وحسب بل وللدول الإقليمية الداعمة للإرهاب والفساد . اما المحرك الثالث والاهم من المحركين السابقين وهو انتخاب رئيس للجمهورية مع حقيبة اصلاحات بحد ذاتها تستهدف الفساد المالي «السرقة والاهدار»، والاداري « لا للتوظيف على اساس العائلي او الانتماء السياسي»، وتقديم المتورطين للعدالة، والمباشرة بإصلاحات إدارية جذرية هدفها تبسيط الإجراءات (مرور المعاملة عبر اقل عدد من الموظفين) وجعل أكبر عدد ممكن منها يمكن أن يتم إلكترونيا والقسم الآخر يتم عن طريق ما يسمى «الشباك الموحد» أي أن المعاملة تقدم بكامل الوثائق اللازمة إلى موظف يجلس وراء شباك يقوم بالتأكد فقط من أن جميع الأوراق المطلوبة متوفرة ثم يقوم بإعطاء المراجع ورقة برقم وتاريخ المعاملة ومعها تاريخ المراجعة لاستلام المعاملة منجزة وبذلك فإن المراجع لا يتعامل إلا مع موظف واحد، وانشاء وحدات رقابة تطوعية يتم اختيار أعضائها من بين المعروفين باستقامتهم تكون جزءا من شبكة منظمات مجتمع مدني لبنانية وليس موحاة بها وممولة من الخارج تقوم بالرقابة على عمل الموظفين وتعالج شكاوى المواطنين وتدلهم على الطريق الذي يجب أن يسلكوه لنيل حقوقهم بما في ذلك اللجوء إلى القضاء.
وتختم المرجعية لتسأل: هل ستتحسن أحوالنا المعيشية بالسرعة التي تدهورت بها ظروفنا الأمنية ؟ وهل سيتخلى السياسيون الجدد عن تبطرهم علينا نحن أولاد الارض ؟ الثابت لدينا أنهم صعدوا فوق أكتافنا، وتاجروا بآلامنا، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه في فردوس السياسة، لكنهم تخلوا عنا، وتركونا نبحث عن لقمة العيش في مكبات النفايات. ليس هذا عيباً فينا وإنما في الذين تهافتوا على بسط نفوذهم علينا، ولم ينتشلونا من مخالب الجوع والهجرة