< في السابق لم يكن العربي مضطراً إلى متابعة سير القمة العربية. كان يعتقد أن الغرض منها لا يتجاوز إظهار القدرة على الاجتماع تحت سقف واحد. وأن المقررات هي في النهاية عبارات عمومية ستبقى حبراً على ورق. وأن القمة المقبلة ستعيد إنتاج قرارات القمة المنصرمة وتمنياتها. وكان مرد هذا الشعور لدى العربي إحساسه بأن الأمة سلمت بعجزها وتنازلت عن حقها في التأثير في مصيرها ومصير المنطقة التي تنتمي إليها.
أعطت قمة شرم الشيخ انطباعاً مختلفاً. أوحت أن الأمة التي شعرت بحجم التهديدات المحدقة بها وخطورة الحرائق المندلعة بين ضلوعها قررت استجماع إرادتها لتفادي إكمال رحلتها نحو الهاوية. والحقيقة أن لا مفاجأة في التئام شمل القمة. ولا في القرارات التي صدرت عنها. كان متوقعاً أن تعطي القمة شرعية عربية كاملة لـ «عاصفة الحزم» وأن تظهر العزلة العربية الكاملة لمنفذي «الانقلاب» في اليمن وداعميهم. وكان متوقعاً أيضاً أن تقر مبدأ تشكيل «قوة عربية مشتركة».
المتابع لأعمال قمة شرم الشيخ استوقفته ثلاث محطات وبضع جمل. إعراب الملك سلمان بن عبدالعزيز عن الأمل في «أن يعود مَنْ تمرد على الشرعية لصوت العقل، والكف عن الاستقواء بالقوى الخارجية والعبث بأمن الشعب اليمني العزيز، والتوقف عن الترويج للطائفية وزرع بذور الإرهاب». المحطة الثانية تمثلت في الهجوم العنيف الذي شنه الرئيس عبدالفتاح السيسي على إيران وإن من دون تسميتها. قال أن «الظروف أغرت أطرافاً في الإقليم وفي ما وراءه ، وأثارت مطامعها إزاء دول عربية بعينها، فاستباحت سيادتها واستحلت مواردها واستهدفت شعوبها…». ولم يسبق لمصر السيسي أن وجهت مثل هذه الانتقادات إلى ايران. والمحطة الثالثة كانت مداخلة الأمير سعود الفيصل رداً على رسالة الرئيس فلاديمير بوتين والانتقادات الصارمة التي وجهها إلى سياسة روسيا في سورية.
يمكن تفسير مناخات قمة شرم الشيخ بالالتفات إلى ثلاثة أخطاء كبرى ارتكبت في اليمن. الأول ارتكبته مجموعة «أنصار الله» حين اعتبرت أن من حقها قلب الطاولة اليمنية على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية. وأي قراءة هادئة للتركيبة اليمنية وتعقيداتها ولموقع اليمن وحساسيته تظهر أن الحوثيين ارتكبوا مجازفة بالغة الخطورة.
الخطأ الثاني ارتكبه يمني طالما اشتهر بالبراعة واستعذب ممارسة السلطة على قاعدة «الرقص على رؤوس الثعابين». مشاعر الثأر تغتال التحفظ والكيدية تعطل البراعة. قد يكون علي عبدالله صالح استمتع برؤية غريمه هادي محاصراً في منزله يرسل كتاب استقالته. وقد يكون سخر من اضطراره إلى الفرار إلى عدن. لكن البراعة جانبته حين سهّل للحوثيين الاستيلاء على صنعاء وأسلحة الجيش وحين زايد عليهم في الرغبة في طرد الرئيس من عدن. ارتكب علي صالح مجازفة كبرى.
يمكن القول أيضاً أن إيران التي كانت منخرطة في المفاوضات النووية ارتكبت في اليمن خطأ يمكن اعتباره مجازفة خطرة. وقد تكون استندت إلى نجاحها سابقاً في انتهاك الخطوط الحمر في أكثر من مكان من دون التعرض لهجوم مضاد. لا إسقاط صنعاء بسيط ولا مهاجمة عدن ولا وضع اليد على باب المندب. وتناقض الغلطة الإيرانية في اليمن تاريخاً من البراعة أظهرته السياسات الإيرانية في التقدم والتمكن في أنحاء أخرى من الإقليم.
القاسم المشترك بين مرتكبي الأخطاء الثلاثة هو سوء تقديرهم لرد فعل السعودية المجاورة. أغلب الظن أنهم اعتقدوا أن السعودية لا تملك غير سياسات الصبر، وأن الحكمة ستدفعها إلى قبول الأمر الواقع المفروض حتى ولو كان يشكل أخطاراً على أمنها واستقرارها. لم يتخيل مرتكبو الأخطاء الثلاثة أن السعودية وفي ضوء محاولة تطويقها وتحجيم ثقلها ودورها ستتخذ قراراً استراتيجياً مخالفاً لتحفظها التقليدي. والقرار هو توظيف قدراتها العسكرية وثقلها العربي والإسلامي وترسانتها من العلاقات الدولية في خدمة سياسة رادعة في الإقليم المضطرب. ولعل مرتكبي الأخطاء الثلاثة اعتقدوا أن مصر الحالية المنشغلة بأمنها وجوارها واقتصادها لن تتخلى عن سياسة مهادنة إيران أملاً في لعب دور الوسيط في الأزمة السورية. إنه سوء تقدير مكلف.
أدت الأخطاء الثلاثة، إضافة إلى الأوضاع السورية والعراقية والليبية، إلى تغيير في المقاربة السعودية وكذلك في مقاربة الدول المشاركة في «عاصفة الحزم» وبينها مصر. تساعد الأخطاء الثلاثة في فهم مناخات قمة شرم الشيخ وأبرز المواقف التي أطلقت خلالها. الأكيد أنه لولا الحدث اليمني وما شهده من أخطاء لما كانت قمة شرم الشيخ مختلفة.