IMLebanon

ثلاثة وجوه للدبلوماسية الأميركية : الرياء والخفاء والدهاء !

لا حاجة الى التبصير والقراءة في الفنجان واستكشاف الطالع برصد حركة النجوم والفلك، لمعرفة ما سيحدث مستقبلاً نتيجة للصراعات الحامية والمحمومة الدائرة حالياً في المنطقة، وأقصر طريق لمعرفة حقيقة ما يجري وما سيحدث مستقبلاً في الشرق الأوسط والعالم، هو التعمق في فهم العقل السياسي الذي يرسم الاستراتيجيات العامة في الولايات المتحدة الأميركية… وذلك بصرف النظر عن الهوية الحزبية للساكن في البيت الأبيض، سواء أكان جمهورياً أم ديمقراطياً. وتبقى قاعدة هذا الفهم صحيحة في الحالتين، في حالة النجاح في تنفيذ الاستراتيجية الموضوعة، أو في حال اخفاقها…

***

العقل السياسي الأميركي المعقد يقوم على ثلاثة مبادئ بسيطة: المصلحة والقوة والواقعية. وكل الامبراطوريات في التاريخ وضعت مصلحتها فوق كل مصلحة للدول والشعوب الأخرى في العالم. والشعار النازي ألمانيا فوق الجميع هو لسان حال كل الامبراطوريات، ما سبق النازية وما تبعها على السواء. وأكثر الدول تجسيداً لهذا الشعار، ماضياً وحاضراً هي الولايات المتحدة، ومفتاح الفهم لسلوكها السياسي هو معرفة أنها تصرفت دائماً بوحي شعار: أميركا فوق الجميع. ولتحقيق المصلحة الأميركية التي تعلو على أية مصالح أخرى، اتبعت أميركا ثلاثة أساليب: دبلوماسية الرياء، ودبلوماسية الخفاء، ودبلوماسية الدهاء!

***

المبدأ الآخر في العقل السياسي الأميركي هو القوة بمعانيها المتعددة. والمعنى الأول لها هو أن تكون أميركا القوة الساحقة الأعظم في العالم. والمعنى الثاني هو العمل بكل الوسائل المتاحة على كسر القوة الأخرى: المعادية أو المنافسة أو حتى الصديقة! والمعنى الثالث هو احترام القوة الأخرى في العالم التي تعجز أميركا عن كسرها، أياً تكن صفتها. وفي هذه الحالات الثلاث تعتمد أميركا أسلوب الواقعية السياسية البراغماتية في التعاطي مع كل القوى الأخرى في العالم.

***

الواقعية السياسية المطبقة أميركياً تقوم على الاستمرار في سحق القوة المعادية ما دامت قادرة على ذلك. والاستمرار في سحق القوة الصديقة دون تحويلها الى عدو. أما القوة المعادية التي تعجز عن سحقها فإن الدبلوماسية الأميركية تستدير، في محاولة لجعلها قوة صديقة أو على الأقل قوة قابلة لتبادل المصالح معها. وهذا ما تفعله أميركا اليوم في العالم وفي المنطقة. وهي تستمر في العمل على سحق القوة الروسية بعد نجاحها في سحق القوة السوفياتية. وهي تغلف سحقها بمعنى الهيمنة للدول الصديقة تحت ستار التعاون السياسي والعسكري في اطار حلف الأطلسي…

***

أما القوة المعادية التي عجزت أميركا عن سحقها طوال نحو ثلاثة عقود وهي ايران، فإن الدبلوماسية الأميركية تستدير اليوم لمد جسور تعاون معها، وإن كانت غالبية معالم هذا التعاون لا تزال وراء الستار أو في الخفاء! وأميركا تحترم الدول التي صنعت قوتها بنفسها مثل ايران واسرائيل، ولا تعتبر الحلفاء الذين يستقوون بأميركا بأنهم يمثلون دولاً قوية… وعندما يظهر التعاون بين واشنطن وطهران رسمياً الى العلن من خلال الملف النووي وغيره، سيتغير المشهد في المنطقة جذرياً!