IMLebanon

ثلاثة عوامل وراء “الإنجاز” الطرابلسي

في أعقاب إحدى جولات العنف التي شهدتها طرابلس في آخر سني ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان دُعي مجلس الدفاع الأعلى إلى الإنعقاد لتقويم أوضاعها ومعرفة أسباب تجدُّد العنف فيها، وخصوصاً بين “بعل محسن” و”باب التبانة”، ولاتخاذ خطوات تُنهي الوضع الشاذ هناك. سأل سليمان قائد الجيش العماد جان قهوجي في الإجتماع إذا كان الجيش يستطيع إزالة بؤرة التوتر الطرابلسية. وسأله عن الوقت الذي يحتاجه لذلك فكان جوابه أن المؤسسة العسكرية قادرة على معالجة موضوع طرابلس وإنهائه. لكنها تحتاج للنجاح في ذلك إلى أمور ثلاثة. أولها الحصول على غطاء سياسي قوي وثابت ونهائي من زعماء المدينة ونوابها ومرجعياتها الدينية لجعل الجيش مطمئناً إلى أنه لن يواجه وهو في عزّ المعركة إحتجاجات سياسية وشعبية، وتالياً مطالبات بوقف التعدّي على “أهل السنّة” وما إلى ذلك. إذ من شأن هذه المواقف إرباكه وتشجيع المسلحين وزيادة تردّي الأمن، وإفقاد المؤسسة العسكرية بعض رصيدها. وأفهم قهوجي المجتمعين أن الغطاء السياسي الذي يحتاج إليه شامل. وعنى بذلك ضرورة صدوره عن المرجعيات الواسعة التمثيل السياسي سنّياً في البلاد، وطرابلس من ضمنها، وأبرزها على الإطلاق “تيار المستقبل” الذي يتزعّمه الرئيس سعد الحريري. وثاني الأمور ضرورة معرفة الحكومة والسياسيين ومجلس الدفاع الأعلى أن المواجهة ستكون مع مسلحين مدربين لا هواة يفرّون بعد بضع دقائق من بدء المعركة. وستكون في أحياء “وزواريب” ضيِّقة حيث يستطيع عشرة من المدربين منع تقدم لواء عسكري. ولذلك فإن نجاح المواجهة مع معكّري الأمن في الشمال وخصوصاً عاصمته يحتاج إلى دبابات ومصفحات ومدفعية (هاون مثلاً) وطوافات عسكرية وحتى طائرات (على قدّ لبنان كما يقال). واستعمال كل ذلك لا بد أن يتسبَّب بتدمير واسع في مناطق الإشتباكات، ولا بد أن يوقع قتلى وجرحى من الجيش والمسلحين والمدنيين. أما ثالث الأمور وآخرها فهو وضع الحكومة وبالتعاون مع القطاع الخاص وأبناء طرابلس إمكاناتهم كلها من أجل الإسراع في إصلاح ما يتهدّم ومعالجة الجرحى والمصابين وتعويض المتضررين وإيجاد عمل للعاطلين عن العمل. ذلك أن عدداً مهماً من هؤلاء حملوا السلاح لقاء أجر لغياب فرص العمل عنهم.

طبعاً استمرت الجولات، ولم يقم الجيش بالذي قال قائده أنه قادر على القيام به، إلى أن بدأت الإعتداءات على الجيش في الزاهرية وأحياء طرابلسية أخرى التي سقط فيها ضباط وعسكريون. ثم انتقلت إلى “التبانة”، فأدركت قيادة الجيش، ومن التحقيق مع أحمد ميقاتي الذي اعتقل جراء عملية عاصون، أن ما يجري هو انتقام له وبدء تنفيذ لمخطط كان أعدّه ومساعد له من آل بخاش بموافقة “جبهة النصرة” لإقامة “إمارة” ما في الضنية وطرابلس وعكار وربطها لاحقاُ بعرسال. وتحركت على الارض لتنفيذ المخطط الذي كانت شرحته قبل أشهر طويلة في بعبدا، طبعاً بعد الحصول على غطاء شامل من المرجعيات الطرابلسية ولاسيما السنّية الدينية والسياسية والنيابية، وكذلك من الرئيس سعد الحريري و”تيار المستقبل”. طبعاً حاول البعض من قيادات طرابلس “النقّ” والمطالبة بالتوقف خوفاً من القتل والدمار. لكن الجيش لم يوقف المعركة إلاّ بعدما حقق أهدافه. وأثار البعض تساؤلات عن تسوية معينة أدت إلى فرار المطلوبيْن من القضاء شادي المولوي وسامي منصور من “الجامع” الذي اعتبروه مركزهم الأساسي. لكن القيادة واستناداً إلى قريبين منها تنفي ذلك، وتؤكد أن الإثنين مصابان واحد في كتفه وآخر في فخذه، وأن الجيش لم يدخل “الجامع” ليلاً بناء على نصائح خبراء متفجرات فيه لأنه كان مفخخاً ولأن الظلمة قد تؤدي إلى اخطار تفجير المسجد. وقد يكون ذلك ساعد على فرار الإثنين. لكنهما سيعودان إلى السجن الذي أطلق أحدهما منه سابقاً (المولوي) سياسيان طرابلسيان والذي أُطلِق منه الآخر سابقاً أيضاً بسبب تدخلات مشابهة، كما تؤكد أن الجيش حمى “سوق الصاغة” و”الحي الأثري” رغم ما دفعه من تضحيات. ماذا عن الشيخ حبلص وبحنّين؟

معلومات القريبين إياهم تشير إلى أن خلية أو خلايا بحنّين اعتقل أفرادها كلهم باستثنائه إذ اختفى. وأن التمشيط مستمر في الضنية وعكار وفي طرابلس التي صارت آمنة. طبعاً لا بد من الانتباه دائماً إلى الخلايا النائمة وإلى تعدّد “الجبهات” التي يمكن أن يفتعلها “داعش” وإخوانه.