IMLebanon

ثلاثة أجيال من “القيادات المسيحية المارونية” هناك جامع بين مَن لا يجمعهم شيء

حتى اليوم تناوبت ثلاثة أجيال من “القيادات المسيحية المارونية” على التصدي للتحديات والمعضلات المتنوعة في لبنان: قيادات الاستقلال، ما بعد الاستقلال، واليوم قيادات ما بعد الحرب الأهلية الكبرى (1975). عادت قيادات الاستقلال إجمالاً مع دخول الجيشين الفرنسي والبريطاني إلى لبنان وانسحاب الجيش العثماني وتمرست في ظل الإنتداب على الديموقراطية في الحكم والمعارضة رغم صلاحيات واسعة للمندوب السامي تلك الأيام، ومع قيادات مسلمة دخلت على مراحل في التركيبة السياسية الجديدة. جديرة بالتوقف هنا افتتاحية لـ”الصحافي والنائب” كما كان يحب أن يعرّف عن نفسه ميشال زكور، في جريدته “المعرض” غداة انتخاب إميل إده رئيساً للجمهورية يوم 20 كانون الثاني 1936 بـ14 صوتاً في مقابل خصمه اللدود بشارة الخوري الذي نال 11 صوتاً في برلمان ساحة النجمة المكوّن من 25 نائباً. كتب الدستوري العنيد زكّور لإدّه: “كنّا ضدّك والآن كلنا معك رئيساً فاحكم بعدل”.

على هذا المنوال تتالت العهود، من بشارة الخوري إلى كميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو فسليمان فرنجية. لم تكن تخطر فكرة مقاطعة الجلسات الانتخابية ببال أحد من قيادات الاستقلال وما بعد الاستقلال. أول مرة وردت الكلمة في صحف 1976 ترجمة لتوجه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلى التصدي لقرار حاكم سوريا حافظ الأسد دعم ترشيح الياس سركيس لرئاسة الجمهورية بالتفاهم مع الأميركيين. ألقت “القوات المشتركة للحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية” كما كانت تسمّى بضع قذائف في اتجاه مقر البرلمان الموقت في “قصر منصور”. ترشح ريمون إده “حفاظاً على ماء وجه الديموقراطية” كما فعل عندما ترشح في وجه فؤاد شهاب إثر نزول المارينز الأميركيين على الشاطئ اللبناني في 1959. لكن النواب انتخبوا سركيس.

بدأت بعد سركيس مرحلة “قيادات ما بعد الحرب”، ذروة تجليها كانت مع بشير الجميّل وانتخابه رئيساً في موجة قوة خارجية وداخلية لم تنفع معها محاولات منع اكتمال نصاب في الفياضية، ثم مع انتخاب شقيقه أمين الجميّل بشبه إجماع وسط الفواجع. بدأ بعده زمن “المقاطعات” إن لم يكن نيابياً فبقوات مسلحة تناوبت عليها الميليشيات، والجيش أيضاً زمن قيادة الجنرال ميشال عون (1988) لمنع عودة سليمان فرنجية إلى بعبدا، ثم لمنع وصول مخايل الضاهر إليها يداً بيد مع “القوات اللبنانية” قبل الصدام الكبير بينهما. وفي ظل انهيار موازين القوى انتُخب على التوالي رينه معوض بشبه توافق، والياس الهراوي وإميل لحود بقرار سوري صافٍ، وميشال سليمان بتوافق خرج منه “حزب الله”، القوة المسلحة غير الشرعية الأكبر وشبه الوحيدة في لبنان، عاقد العزم على عدم تكراره. أقله حتى اليوم.

أما “قيادات ما بعد الحرب المسيحية المارونية”، والتي استعادت بعضاً من حيويتها ووزنها في اللعبة الداخلية الداخلية، فباتت في ظل تمادي الفراغ الرئاسي، تفتح دفاتر أخرى وبعضها قديم لاستعادة دور من تمثلهم في الدولة، سواء من باب قانون الانتخابات النيابية أو التطلع إلى محاسن لامركزية موسّعة فرضت نفسها بأكياس القمامة هذه المرة وليس بالسلاح وحده وإن كان في يد جهة واحدة. لذلك تسمع تعابير ومقاربات متماثلة إلى حد ما هذه الأيام في صالونات سياسة المسيحيين، حتى لو اختلفت حسابات الأحزاب والقيادات في مواضيع إدارة الدولة والشراكة مع المسلمين. لا تفرق كثيراً أن يكون متحدثو الصالونات من الكتائب أو “القوات” أو “التيار العوني” أو “المردة” وحتى المكتفين بتوجيهات الكنيسة. وهكذا يتبيّن أن ثمة ما يجمع بين من كان يُخيّل إلى كثيرين أن لا جامع بينهم، والسؤال المحوري عندهم: “هل يريد شركاؤنا حقاً أن نعود إلى دور قيادي في لبنان الجديد؟”. ويقيمون على اعتقاد بأن لبنان الدولة تعاقبت عليه ثلاث هيمنات: “المارونية السياسية” التي سقطت مع أول رصاصة في الحرب الأهلية وكان نزاعها طويلاً وانتهى باحترابها الداخلي والقوة السورية المسلحة. “السنية السياسية” في مؤالفة بين حضور الرئيس رفيق الحريري الاستثنائي في كل الميادين والحكم السوري الفعلي، انتهت باغتيال الرئيس شهيداً. “الشيعية السياسية” تستمر حتى اليوم، وأبرز مظاهر فشلها سقوط الدولة بأكملها في أزمة القمامة.