IMLebanon

ثلاثة مؤتمرات دولية لتأكيد استمرار تحييد لبنان ودعم اقتصاده وتقوية الجيش

    نتائج محادثات الحريري – ماكرون، تذكّر بعلاقة الحريري الأب مع شيراك

    حصيلة المحادثات بين الرئيسين الفرنسي واللبناني على عقد ثلاثة مؤتمرات مهمة بخصوص لبنان فاقت التوقعات المسبقة

أعادت وقائع ونتائج الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى باريس نهاية الأسبوع الماضي ولقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وهي الزيارة الأولى لمسؤول لبناني بارز على هذا المستوى، منذ تسلم الرئيس الفرنسي الجديد لمهماته قبل أشهر معدودة، بالذاكرة إلى الوراء ولسنوات خلت بعض اوجه العلاقة المميزة التي كانت تربط بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس الفرنسي جاك شيراك، والتي وصفها المراقبون يومذاك بالعصر الذهبي للعلاقات اللبنانية – الفرنسية، ومن خلالها استطاع رئيس الحكومة السابق توفير مظلة حماية أوروبية ودولية ساعدت لبنان في مواجهة المؤثرات السلبية للاحتلال الاسرائيلي والاعتداءات المتكررة على أراضيه وتوفير كل مقومات الدعم الدولي للنهوض بالاقتصاد اللبناني الذي كان يواجه صعوبات كثيرة جرّاء رواسب الحرب الاهلية ومتطلبات عملية اعادة الاعمار واستنزاف وجود نظام الوصاية السورية على الاراضي اللبنانية للاقتصاد اللبناني.

فبالنسبة لوقائع الزيارة، كان للاستقبال اللافت الذي خصّ به الرئيس الفرنسي ضيفه منذ وصوله إلى باحة قصر «الاليزيه» ومعانقته والترحيب به بحرارة أولى الإشارات، ثم كان اللقاء المطوّل وجهاً لوجه على شرفة القصر وما تلاه من حديث مشترك للصحافيين باقي الدلالات على الاهتمام الرئاسي الفرنسي بهذه الزيارة من كل النواحي، الشكلية والعملية على حدٍ سواء، كما لاحظ جميع الصحافيين الذين تولوا تغطية وقائع الزيارة ومضمون الكلام الذي قاله الرئيس الفرنسي حول مختلف مواضيع البحث التي تضمنتها.

اما النتائج التي تمخضت عنها، فلا تقل أهمية عن حرارة الاستقبال وتفاصيل المحادثات، وكانت خلاصتها الموافقة الرئاسية الفرنسية على عقد ثلاثة مؤتمرات مهمة وضرورية خلال الأشهر الأولى من العام المقبل، أوّلها مؤتمر دعم للنهوض بالاقتصاد اللبناني من خلال دعوة وتشجيع المستثمرين الأوروبيين وكافة دول العالم للاستثمار في لبنان، سواء بالمشاريع الحيوية والضرورية التي ترغب الحكومة اللبنانية بتنفيذها في مختلف القطاعات أو بالاستثمار بمشاريع خاصة مجدّية والثاني مؤتمر خاص بالنازحين السوريين ويتناول الأعباء المتزايدة التي يتكبدها لبنان جرّاء استضافته لأكثر من مليون ومايتي ألف نازح، وسبل المساعدة المطلوبة مادياً للتخفيف من الضغوطات على الاقتصاد اللبناني، أو توفير التمويل اللازم لترميم أو بناء مشاريع البنى التحتية التي استهلكت جرّاء وجود النازحين السوريين طوال السنوات الخمس الماضية والمؤتمر الثالث والمهم هو مؤتمر توفير الدعم للجيش اللبناني والقوى الامنية الشرعية اللبنانية والمرتقب عقده في إيطاليا بعد إتمام الاتصالات والترتيبات المتعلقة به.

ولا شك، فإن حصيلة المحادثات بين الرئيس الفرنسي والرئيس الحريري، التفاهم على عقد ثلاثة مؤتمرات مهمة بخصوص لبنان، وهي حصيلة فاقت التوقعات المسبقة بخصوصها ولكنها بالطبع كانت نتيجة التحضيرات المدروسة والمدعمة بوقائع ملموسة على الأرض وتجاوب الجانب الفرنسي مع المطالب اللبنانية، للتأكيد على مدى اهتمام فرنسا بلبنان والحرص على توفير كل مستلزمات صموده في مواجهة تداعيات الحرب الدائرة بسوريا والتقليل قدر الإمكان من مؤثراتها السلبية عليه.

فالتفاهم على عقد المؤتمرات الثلاثة وإن كانت عناوينها اقتصادية وبحث مسألة النازحين السوريين ودعم الجيش اللبناني، الا انها مترابطة مع بعضها البعض وهي مهمة بنظر الجانب الفرنسي كما طرحها الرئيس الحريري من جانبه، لأنه من دون تحريك الدورة الاقتصادية وانعاش الوضع الاقتصادي الداخلي، لا يمكن تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار السياسي وتجنب الخضّات الاجتماعية التي تلقي بثقلها على نواحي عديدة من تفاصل الحياة اليومية، وهذا مرتبط ايضا بملف النازحين السوريين ومتطلباتهم التي تكلف الدولة اللبنانية والاقتصاد الوطني اعباءً تفوق طاقته.

وهناك ايضاً مؤتمر دعم الجيش اللبناني، مرتبط كذلك بتوفير ما يتطلبه الجيش من تجهيزات ومعدات واسلحة حديثة وبرامج تدريب ليتمكن من القيام بالمهمات المتزايدة في حفظ الأمن ومواجهة الإرهاب وتوفير الأمن والاستقرار لكل اللبنانيين.

فهذا التقارب في الرؤى بين الجانين الفرنسي واللبناني بخصوص لبنان وضرورة استمرار تحييده قدر الإمكان عن ظروف المنطقة الملتهبة وتحديداً عن الأزمة السورية وحروبها المتداخلة، ساهم في تسريع الاتفاق على عقد المؤتمرات الثلاثة في أقرب وقت ممكن، وهذا التفاهم السريع يدل دلالة واضحة على مدى الإهتمام الفرنسي بوضعية لبنان في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة التي تمر بها المنطقة العربية، وعدم ترك معالجة هذه المسائل والمشاكل التي يواجهها إلى وقت آخر تفادياً لأي تداعيات سلبية يمكن ان تنتج عنها ولأن ما تحمله لبنان من أعباء ومشاكل طوال السنوات الخمس الماضية أصبح ضاغطاً ويتطلب معالجات سريعة لا بدّ من القيام بها بالتعاون مع المجتمع الدولي.

وبالطبع، كان للانجاز الذي حققه الجيش اللبناني في الحرب على الإرهاب وتحرير الجرود من تنظيمي «داعش» و«النصرة» خلال الأيام الماضية وقع إيجابي ومؤثر في المباحثات لتسريع الاتفاق على عقد مؤتمر لدعم الجيش اللبناني خصيصاً في وقت قريب لتمكينه من مواجهة أي مخاطر محتملة، وللمساهمة في تقوية مؤسسات الدولة الشرعية دون سواها.