في انتخابات العام 2009 النيابيّة، كانت مدينة طرابلس دائرة انتخابيّة مُستقلّة عن المنية – الضنيّة، أمّا في انتخابات أيّار المُقبل المُفترضة، فإنّ مناطق طرابلس والمنية والضنّية صارت تُشكّل دائرة انتخابية واحدة تحوي 11 مقعدًا (منها 8 مقاعد للسُنّة موزّعين على طرابلس 5، والضنية 2 والمنية 1، إضافة إلى 1 موارنة و1 أرثوذكس و1 علوي في طرابلس). وتضمّ هذه الدائرة نحو 340000 ناخب، أغلبيتهم الساحقة من المُسلمين السنّة، وتحديدًا نحو 285000 ناخب، إضافة إلى نحو 35000 ناخب مسيحي ونحو 20000 ناخب علوي. وبالتالي بعد دمج المناطق الثلاث، وبعد تحويل كل من المنية والضنية إلى دائرة صُغرى مُستقلّة عن الثانية (يُؤثّر هذا الأمر في الصوت «التفضيلي التفضيلي» بحيث لا يعود محصورًا بالمنية والضنية كدائرة صُغرى واحدة وإنمّا كدائرتين مستقلّتين، وبما أنّه يُوجد نائب واحد عن المنية لا يعود من المُمكن أن يمنح أبناء البلدة أي «صوت تفضيلي»)، وكذلك بعد الانتقال من مبدأ التصويت الأكثري إلى مبدأ التصويت النسبي، فإنّ تغييرًا كبيرًا في النتائج سيحصل بدون أدنى شك، في ظلّ خلط أوراق للتحالفات وللتموضعات السياسيّة. فما هي آخر المعلومات في هذا السياق؟
بحسب أوساط سياسيّة شماليّة، إنّ التوقّعات تتحدّث عن نسبة اقتراع تبلغ نحو 50 % أو أقلّ بقليل في دائرة «طرابلس – المنية – الضنية» ما يعني أنّ الحاصل الانتخابي المُقدّر سيكون بحدود 15000 صوت، أو أقلّ أو أكثر بقليل، تبعًا لعدد المُقترعين النهائي. وأضافت أنّ هذا الرقم يعني أنّ جهاد الصمد مثلاً، والذي كان حاز 16136 صوتًا في انتخابات العام 2009 في دائرة «المنية الضنية» آنذاك، متأخرًا بنحو 20000 ألف صوت عن الفائز الأخير للائحة المنافسة التي أوصلت في حينه كلاً من قاسم عبد العزيز وأحمد فتفت وهاشم علم الدين إلى الندوة البرلمانية، قادر على مدّ اللائحة الانتخابية التي سيتحالف معها بحاصل انتخابي مكفول من منطقة «المنية – الضنية» من دون احتساب الزيادة اللاحقة بعدد الناخبين. ومن الضروري التذكير أنّه في العام 2009، صوّت 72% من الناخبين السنّة في «المنية – الضنية» إلى جانب لائحة «تيّار المُستقبل» بينما توزّعت أصوات الناخبين المسيحيّين – على قلّتها، على اللائحتين مع ميل أكثر لمصلحة النائب السابق الصمد. وتابعت الأوساط نفسها، أنّه في طرابلس تمكن رئيس الحُكومة الراحل عُمر كرامي في انتخابات العام 2009 من نيل 30448 صوتًا، أي ما نسبته 33,5% من أصوات المُقترعين بمُواجهة تحالف انتخابي قوي جرى تركيبه آنذاك، وجمع خُصوصًا ما بين «تيّار المُستقبل» ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي. وصبّت الأصوات العلويّة في طرابلس بغالبيتها الساحقة إلى جانب لائحة المُعارضة آنذاك، بينما توزّعت الأصوات المسيحيّة في المدينة مُناصفة بين الطرفين.
وأشارت الأوساط السياسيّة الشمالية إلى أنّ الواقع الانتخابي تبدّل جذريًا اليوم، مع بروز توجّه لدى أكثر من «قطب» شمالي لتشكيل لائحة مُستقلّة أو ضمن تحالف محصور، طمعًا بكسب أكبر عدد مُمكن من الأصوات. وأضافت أنّ الوزير السابق فيصل كرامي والنائب السابق جهاد الصمد سيكونان على لائحة واحدة يُنتظر أن يتم دعمها من قبل الناخبين العلويّين ومن قوى محسوبة على «محور المُمانعة». وأضافت أنّ السؤال المحوري الذي يفرض نفسه، هل سيكون رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ضمن اللائحة نفسها. ولفتت الأوساط إلى ان ميقاتي يملك قوة شعبية كبرى، وانه في حال نجاح هذا التحالف الذي تجري مشاورات عالية السقف بشأنه حاليًا، وحرص ميقاتي على أن تضم الوزير السابق جان عبيد عن المقعد الماروني، فإنّ حصّة «تيّار المُستقبل» ستتراجع تلقائيًا، لما لالتقاء كل من ميقاتي والقوى المحسوبة على «8 آذار» من ثقل يُغيّر في موازين القُوى.
وتابعت الأوساط السياسيّة الشمالية أنّ اللائحة الثانية المُرتقب تشكيلها من قبل مدير عام قوى الأمن الداخلي السابق اللواء أشرف ريفي ستضمّ – كما في الانتخابات البلديّة، ناشطين من المُجتمع المدني، إضافة إلى شخصيّات سياسيّة مُعارضة لمحور «المُمانعة»، وللسُلطة السياسيّة القائمة حاليًا في لبنان، وكذلك شخصيّات لها حيثيّة شعبيّة في المنطقة لكنّها أبعدت عن شغر أي مراكز رسميّة. ورأت الأوساط أنّ المعركة بين ريفي وخُصومه هي على فرض نفسه كقطب سياسي إضافي في طرابلس من جهة، والمعركة بين ريفي ورئيس الحكومة سعد الحريري هي على الخيارات السياسيّة المُنتهجة من قبل كلّ منهما، لمعرفة إلى أي خيار تميل القاعدة الشعبيّة لتيّار المُستقبل حاليًا.
وبالنسبة إلى اللائحة الثالثة الرئيسة المُرتقبة في دائرة «طرابلس – المنية – الضنيّة» فهي بالتأكيد لائحة «تيّار المُستقبل» الذي يُركّز في معركته الانتخابيّة على تأكيد استمرار حُضوره القوي في هذه الدائرة الشمالية المهمّة من جهة، علمًا أنّ هدفه الأبرز هو إفشال مُحاولات اللواء ريفي استقطاب جزء كبير من قاعدة «المُستقبل» الشعبيّة إلى صُفوفه، في حين يأتي هدف مُواجهة باقي الشخصيّات المُنافسة في الدرجة الثانية، بحسب الأوساط السياسيّة الشمالية نفسها. وأضافت هذه الأخيرة أنّ «المُستقبل» يعمل على تشويه حُضور ريفي لدى الناخبين عبر الترويج لرواية «الطعن بالظهر» وعبر التركيز على «فشل بلديّة طرابلس»، بينما يستعدّ لمُهاجمة ميقاتي – في حال قرّر هذا الأخير التحالف مع «كرامي – الصمد» عبر مُهاجمة الخيارات السياسيّة التي تهدف إلى إضعاف «تيّار المُستقبل» وإلى إنهاء «الحريريّة السياسيّة» وإرث الرئيس الراحل رفيق الحريري.
وفي الخلاصة، ذكرت الأوساط السياسيّة الشمالية أنّه ما لم تحصل مُفاجآت كبرى، بخاصة في حال تقديم «تيّار المُستقبل» في اللحظة الأخيرة تنازلات واسعة على مُستوى الحصص الانتخابية لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي للحؤول دون تشكيله لائحة منافسة مع شخصيّات «محور المُمانعة» ولتشجيعه على الدُخول في لائحة ائتلافية مع «المُستقبل»، فإنّ دائرة «طرابلس – المنية – الضنيّة» تتجه إلى معركة انتخابيّة بين ثلاث لوائح أساسيّة، إضافة إلى عدد من اللوائح الأخرى الأقلّ تأثيرًا. والكلمة الفصل ستكون لصناديق الاقتراع، في ظلّ توقّع توزّع الأصوات على اللوائح الثلاث الأساسيّة ولو بنسبة مُتفاوتة لا يُمكن التكهّن بها من اليوم ختمت الأوساط.