IMLebanon

ثلاثة أرقام ورأي مسؤول دولي

خلال شهر تشرين الأول تسنى لي زيارة دبي ولندن، وتكونت لدي من القراءة والمراجعات ثلاثة أرقام لنا منها افادة لو كان جهاز الدولة يعمل بانتظام، ولو كان السياسيون ينظرون الى الواقع المزري ويعملون فعلا على تحسين الاداء وتحقيق المشاريع التي منها افادة للبنان.

لنبدأ برأي المسؤول الدولي لانه يلخص ما نحن فيه ويبين تبعة اهمال التنفيذ وتأخير القرارات الحكومية والتشريعية، والرأي نشر في “النهار” الجمعة 10/24 في الصفحة الثانية.

الرأي هو للسيد هيوغ منغارللي مدير الشرق الاوسط وشمال افريقيا وشبه الجزيرة العربية والعراق في جهاز العمل الخارجي في الاتحاد الاوروبي. فقد اشار الى ان مخصصات الاتحاد الاوروبي لمساعدة لبنان مدى ثلاث سنوات من 2014 الى 2016 تبلغ 130 مليون أورو. ويعتبر هذا الرقم منخفضاً، وهو بالفعل كذلك ودون المساعدات التي حصل عليها لبنان من الاتحاد الاوروبي خلال السنوات الثلاث من 2011 الى 2013. والسبب في خفض المساعدات، في رأي السيد منغارللي، هو عجز الهيئات التشريعية – مجلس النواب والادارة العامة عن صياغة ودفع المشاريع الاساسية لمستقبل لبنان، وتالياً ستخصص غالبية المساعدة لتعزيز القدرات الدفاعية للجيش وقدرات قوى الامن على حفظ السلام الداخلي وهم يأملون في استفاقة المسؤولين على مخاطر تمديد استمرار النواب في مقاعدهم، وتأخير استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية يساهم في الاسراع في اتخذا القرارات الانمائية الحيوية.

الارقام التي نتحدث عنها تبين وعي القيادات السياسية في امارة دبي، وبريطانيا، وقطر لانجاز تجهيزات البنية الاساسية لتأمين منطلقات الانماء وتأمين مناخ استثماري مناسب لاستقطاب الاستثمارات والزوار.

امارة دبي، بقيادة محمد بن راشد، جهزت نفسها خصوصاً مع طفرة الاعمار الجارية على قدم وساق لتأمين الاتصالات على افضل وجه وكفاية الحاجات المستقبلية لاستهلاك الكهرباء، سواء للمؤسسات الخدماتية أو الفنية والصناعية والصحية. وقد انجزت دبي تأمين 9700 ميغاوات من طاقة الانتاج الكهربائي، في حين ان الاستهلاك الاقصى حالياً يحتاج الى طاقة انتاج على مستوى 6500 ميغاوات، والطاقة الفائضة أي 2200 ميغاوات جاهزة لكفاية الحاجات المستقبلية، ولا شك في ان دبي سترفع تجهيزها الانتاجي، خصوصا انها بدأت تشغيل خدمات المترو لتأمين انتقال الافراد بسهولة وتفادي اختناق حركة السير.

الامر الذي يسترعي الانتباه ان انتاج الكهرباء في دبي يعتمد على مستوردات الغاز المسيل الذي يحول الى غاز طبيعي يستعمل في معامل الانتاج، وهذا الاعتماد على الغاز، يؤدي الى وفورات ملحوظة في تكاليف الانتاج، كما يمنع التلوث الناجم عن استعمال الفيول أويل أو المازوت كما نفعل في لبنان.

طاقة الانتاج النظرية في لبنان 2200 ميغاوات – أي ما يوازي طاقة الاحتياط في دبي – لكن الطاقة التشغيلية لا تتجاوز الـ1200 ميغاوات، أضيف اليها انتاج الباخرتين التركيتين اللتين توفران 400 ميغاوات اضافية بكلفة عالية. ومعلوم ان معمل نهر البارد كما معمل الزهراني لا يمكن استعمالهما بطاقتهما الكاملة (900 ميغاوات) الا بتأمين مادة المازوت، التي هي مطلوبة ايضا للباخرتين والتي تزيد كلفتها عن استعمال الغاز بنسبة 60 في المئة، وعجز كهرباء لبنان تجاوز 2,1 ملياري دولار عام 2013.

لو كان لدينا حكم يلتفت الى الحاجات الملحة، لأنجزنا منذ سنوات معامل حديثة بطاقة 2000 ميغاوات، وبكلفة ملياري دولار، أي ما ندفعه سنويا لتغطية عجز الكهرباء. كل ما فعلناه كان التعاقد على انجاز معمل بطاقة 500 ميغاوات في منطقة البداوي، والعمل على انجازه متأخر، فكيف لا تكون هنالك شكوى من السياسيين من الهيئات الدولية في حين ان عجز سنة واحدة يكفي لانجاز معامل تكفي الحاجات لسنوات، ويمكن تشغيلها على الغاز المسيل حتى بعد سنتين، والى حين استكشاف الغاز في مجالنا البحري، والذي يحتاج الى ثماني سنوات؟ سؤال، الجواب عنه واضح في كلام المسؤول الدولي.

                                                                           * * *

قطر التي يفترض ان تستضيف بطولة العالم لكرة القدم في 2022، أي بعد ثماني سنوات من تاريخ اليوم، خصصت موازنة لانجاز الاعمال الضرورية لترفيع منشآتها للبنية التحتية، كالطرق، ومعامل الكهرباء، وتوسيعات المطار، وتحضير الملاعب تبلغ 102 مليار دولار، ومعلوم ان موازنات كهذه لا بد ان تشهد ارتفاعاً خلال سنوات الانجاز.

أما بريطانيا، التي حققت أفضل معدل نمو بين الدول الرئيسية في الاتحاد الاوروبي، فقد بذلت حكومتها جهوداً كبيرة لاستقطاب الاستثمارات، سواء في انجاز شبكات التواصل للقطارات الكهربائية السريعة، وانتاج الكهرباء، والانشاءات العقارية، وقد ركز رئيس الوزراء البريطاني جهوده على استقطاب المؤسسات الصينية وتوصل الى اقناع الحكم الصيني باعتماد لندن لاعماله الاستثمارية في أوروبا الغربية. والصين التي تملك اكبر احتياط مالي في العالم يتجاوز اربعة تريليون دولار، موظف منها 1,3 تريليون في السندات الحكومية الاميركية، اعلنت نيتها استثمار 115 مليار جنيه استرليني أي ما يساوي 184 مليار دولار، في المجالات المشار اليها اعلاه وذلك خلال السنوات ما بين 2014 و2025.

بكلام آخر، سوف تستثمر الصين في النقل بواسطة القطارات الكهربائية، ومحطات انتاج الكهرباء النووية مع شركة EDF الفرنسية التي ابتاعت هذه المصانع قبل سنوات وفي التطوير العقاري، ما يوازي 16 مليار دولار سنوياً.

ان هذا التوجه لم يكن ليتحقق لولا تأكد الصينيين من مناخ الاستثمار في بريطانيا. هذا المناخ الذي استقطب عدداً كبيراً من الشركات الفرنسية والالمانية، بحيث ان فرنسا والمانيا تطالبان بريطانيا بتقديمات نقدية للسوق الاوروبية توازي ثلاثة مليارات دولار، وكل ذلك لان بريطانيا حققت نجاحاً ملحوظاً في مقابل الانكماش في فرنسا والذي بدأ يظهر في المانيا.

لكن رئيس الوزراء البريطاني يرفض حتى تاريخه هذا التكليف وهو يعتبر ان نجاح بريطانيا يجب ان يشجع فرنسا والمانيا على تبني سياسات ضريبية تستقطب الاستثمار، وقد تكون مرحلة الانسحاب التدريجي لبريطانيا من الاتحاد الاوروبي قد بدأت، الامر الذي يهدد مستقبل الاورو، لكن هذه النتيجة إن حصلت ستكون مضرة بالسوق الاوروبية وعلى الغالب ببريطانيا.