طارق ترشيشي
يعتقد فريق من السياسيين انّ الحوار المنتظر أن يبدأ قريباً بين «حزب الله» وتيار«المستقبل» لا يمكن عزله أو فصله عن مناخ اقليمي ايجابي بدأ يتكوّن لينعكس لاحقاً «برداً وسلاماً» على دول المنطقة، ومنها لبنان.
ويقول سياسيون إن المقصود بالمناخ الاقليمي هنا هو طبيعة العلاقة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، لأنّ التوتر بينهما ينعكس غالباً توتراً في المنطقة، فيما التوافق ينعكس إيجاباً.
ومثلما يوجد للرياض نفوذ ومصالح في دول المنطقة يوجد في المقابل نفوذ ومصالح مماثلة لطهران، فهما دولتان إقليميتان كبيرتان ولهما ثقلهما في العالمين العربي والاسلامي وأيّ تطور سلبي او أيجابي في العلاقة بينهما ينعكس على هذين العالمين، أيّاً كانت المواقف الدولية ممّا يجري على الساحتين العربية والاسلامية.
ولذلك، يؤكد هؤلاء السياسيون انّ القرار بالحوار بين «حزب الله» و»المستقبل» هو في مضمونه غير المباشر قرار سعودي – ايراني غير معلن غايته ملاقاة تطوّر مهم وايجابي في العلاقة السعودية ـ الايرانية سيظهر في وقت ليس ببعيد، لأنّ الجانبين اقتنعا بأنّ استمرار التباعد بينهما يزيد الازمات الاقليمية تعقيداً ويحول دون التوصّل الى حلول متوازنة لها هي في الحقيقة استنساخ لـ«اتفاق الطائف» اللبناني كان قد بدأ في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 ولكن اعترت تنفيذه كـ»الطائف» اللبناني شوائب يؤمَل ان يكون قد بدأ تذليلها أخيراً بعد تأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة حيدر العبادي.
ويؤكد بعض العاملين على ترتيب الحوار بين «الحزب» و»المستقبل» أن وظيفته المركزية والمطلوبة بإلحاح لديهما، ولحاجة لبنان الملحاحة اليه، هي تبديد التشنّج المذهبي وتهدئة الخطاب السياسي بما يخدم الاستقرار اللبناني الذي يُبدي الجميع في الداخل والخارج حرصاً كبيراً عليه.
امّا الوظيفة المركزية الثانية والتي لا تقلّ اهمية عن الاولى فهي إيجاد مناخ سياسي توافقي يفتح الابواب لإنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية من دون البحث في أسماء مرشحين لارتباط هذا الامر بالأفرقاء الآخرين الذين يجب الوقوف عند رأيهم، بحيث لا يظهر الفريقان المتحاوران وكأنهما بخلفيتهما المذهبية والطائفية يختاران الرئيس العتيد من دون الاخذ برأي المسيحيين فيه.
لكنّ المناخ التوافقي المطلوب من الحوار إرساؤه في مدار الاستحقاق الرئاسي يفيد الارادات الاقليمية والدولية المتعاطية مع هذا الاستحقاق والتي هي غالباً، ومع الاسف، مَن يصنع الرئيس اللبناني فيأتي «مصنوعاً» بين توافق داخلي وآخر خارجي نواته ستكون هذه المرة التوافق السعودي – الايراني.
وفي غضون ذلك يعتقد فريق من السياسيين انّ انتقال رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون من البحث في ترشيحه لرئاسة الجمهورية الى البحث في مصير الجمهورية، حسب ما أعلن قبل يومين، يحمل في طيّاته مؤشرين:
المؤشر الاول، انّ الرجل قد يكون ادرك أنّ فرصته للنفاذ الى رئاسة الجمهورية لم تعد موجودة، وانه بات مستعداً للبحث في مرشح آخر تكون له الكلمة الاولى في تسميته، وذلك من تغليبه «البحث في الجمهورية» على البحث في ترشيحه. أمّا إعلانه استعداده لاستقبال خصمه السياسي اللدود رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لهذه الغاية ربما تكون غايته إطلاق ورشة بحث في الصف المسيحي عن مرشح يجد فيه المسيحيون ما يلبّي تطلعاتهم.
أمّا المؤشر الثاني فيختلف عن الاول، ومفاده انّ عون وجّه بكلامه عن البحث في مصير الجمهورية رسالة الى الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» مفادها انه اذا كنتم لا تؤيّدون انتخابي رئيساً توافقياً فإنني سأدفع بالأمور الى البحث في الجمهورية و«اتفاق الطائف»، وذلك في ضوء ما كان طَرحه الصيف الماضي من اقتراح يدعو الى انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر بدلاً من مجلس النواب، بما يحوّل النظام اللبناني الجمهوري الديموقراطي البرلماني نظاماً رئاسياً على الطريقتين الفرنسية والاميركية.
وطبيعي انّ الوصول الى هذا النظام يتطلّب تعديلاً للدستور وهو ما لا يمكن حصوله إلّا باتفاق بين جميع الافرقاء السياسيين ليس سهلاً حصوله في هذه المرحلة البالغة التعقيد داخلياً على الاقل.
ويعتقد سياسيون انّ تحرّك فرنسا في شأن الاستحقاق الرئاسي في اتجاه لبنان وايران والسعودية والفاتيكان وعواصم اقليمية ودولية اخرى غير معوّل عليه أن يحقق الآن اختراقاً في جدار هذا الاستحقاق الذي ما زال سميكاً، ولكنه ربما يهيّىء أرضية داخلية لبنانية تلاقي التوافقات الاقليمية المنتظرة، وتحديداً التوافق السعودي ـ الايراني الذي يمكن ان تنفتح الابواب اليه في حال تبدّل المواقف من الازمة السورية، وتحديداً الموقف السعودي الذي ما يزال سلبياً ضد الرئيس بشار الاسد.
وفي ضوء كل هذه المعطيات تولّدت لدى الاوساط السياسية ثلاثة سيناريوهات ـ توقعات في شأن مصير الاستحقاق الرئاسي:
– الاوّل يقول بإمكان انتخاب رئيس جمهورية مطلع السنة الجديدة على قاعدة البدء بوضع الازمة اللبنانية على سكة الحلول، ويقول البعض في هذا السياق انّ هذا الانتخاب ربما تتوافر معطياته فجأة كالمعطيات الفجائية التي أدّت الى تأليف الحكومة بعد تأخير دام نحو 10 اشهر.
لكنّ فريقاً من السياسيين يستبعد هذا الامر لأنّ الظروف الموضوعية لحصول انتخاب الرئيس سريعاً ما زالت غير متوافرة، فالملفات المفتوحة في المنطقة مترابطة ومعقدة ولا حلحلة متوقعة بعد في الموقف السعودي من الاسد.
ـ الثاني، أن يُنتخب الرئيس في آذار المقبل حيث سيحصل الاتفاق السياسي بين ايران والدول الغربية حول الملف النووي الايراني، وهو الاتفاق الذي يسبق الاتفاق التقني في حزيران المقبل.
ـ الثالث، أن يُنتخب الرئيس بين مطلع الربيع وحزيران، أي قبَيل موعد إبرام الاتفاق الشامل حول الملف النووي الايراني أو بُعيدَه.
وعلى رغم ذلك، فإنّ بعض السياسيين يقول إنّ تحقيق أيّ سيناريو من هذه السيناريوهات الثلاثة يبقى مرهوناً بما يمكن ان تحققه التحركات المحلية والاقليمة والدولية في اتجاه لبنان والعواصم المعنية بالاستحقاق الرئاسي من نتائج في أيّ وقت.