أسباب ثلاثة اساسية املت على الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله تجاهل الحديث عن عودة الرئيس سعد الحريري والرد على مضامين الخطاب الذي القاه الاخير في مهرجان البيال:
– المناسبة التي اطل فيها السيد نصرالله بالنسبة الى الحزب وارتباطها الوثيق بالصراع المديد مع الكيان الاسرائيلي والذي من نتائجه سقوط القادة الثلاثة المحتفى بذكراهم في الضاحية الجنوبية.
– التقدم العسكري في الميدان السوري والذي تشارك فيه مباشرة منذ نحو ثلاثة اعوام وحدات النخبة في الجهاز العسكري للحزب، وقد بذلت ما يقارب الالف مقاتل، وما ارتبط بهذا التطور المتدحرج من تهديد سعودي – تركي بتدخل عسكري مباشر في عمق الاراضي السورية، وهي تطورات وتحولات من الاهمية بمكان بالنسبة الى الحزب وقيادته ألاّ تضيع في حمأة الحديث عن قضايا اخرى مكرورة.
– لا جديد جذريا في الشأن الداخلي المحض يستدعي من قيادة الحزب الخوض في غماره، خصوصا انه سبق للسيد نصرالله ان خصص آخر اطلالتين له اخيرا للكلام عن رؤيته لموضوع الاستحقاق الرئاسي، مكررا التمسك بخيار ترشيح العماد ميشال عون حصريا للمنصب الشاغر منذ اكثر من 20 شهرا، فضلا عن ان ثمة اعتقادا فحواه ان الرئيس الحريري لم يورد في خطابه ايضا اي جديد يستوجب التعليق، اضافة الى ان لدى دوائر القرار في الحزب قناعة جوهرها ان استدراج الحزب الى فتح باب السجال بينه وبين “التيار الازرق” هو رغبة حريرية كامنة غايتها القصوى المساهمة في عملية شد العصب وفي اضفاء مزيد من الضوضاء حول عودة الحريري والارتقاء بها الى مصاف الحدث الاستثنائي.
هل هذا يعني ان قيادة الحزب اتخذت عن سابق تصميم قرارا بالتقليل من اهمية عودة الحريري الى هذا المستوى الذي بدا استفزازيا؟
لا ريب في ان الدوائر المعنية في الحزب تقيم على تصور جلي للاسباب العاجلة والآجلة التي جعلت الرئيس الحريري يقرر العودة الى الساحة التي برر غيابه الطويل نسبياعنها باعتبارات تتصل بأمنه الشخصي، وتقيم ايضا على تصور دقيق عن المدى الذي يمكن ان تصل اليه هذه العودة ومن ضمنها حيوية الحراك السياسي التي برزت منذ اليوم الاول لعودته الى بيروت، وهي تعتمد على الاسس الآتية:
– ان هذه العودة تبدو إما نهائية وإما اطول من اي عودة سابقة لان المبرر المعلن للمغادرة وهو الاعتبار الامني قد انتفى بعيد حركته التي لم تستثن مكانا قريبا ام قصيا.
– ان قرار العودة ساهم في انضاجه وضع القاعدة الحريرية التي لم يعد خافيا ما شهدته من تصدع وتردٍ في فترة الغياب، اضافة الى قيادات لبنانية اخرى غير “مستقبلية” زينت له اتخاذ هذا القرار رغبة منها في خلق واقع سياسي مختلف يصب في طاحونة تطلعاتها واهدافها على المديين المتوسط والبعيد.
– السبب الابرز ان الرجل عاد ليؤكد حضوره ودوره وزعامته على ساحة مكتظة بالاحداث ويتحرك فيها منافسوه وخصومه بحرية، وهذا امر بديهي، لكن السؤال المهم بالنسبة الى الذين يبادرون الى طرحه ويلحّون في معرفة الاجابات القاطعة عنه كونه يتصل بمرحلة مستقبلية، هو: هل ان الرئيس الحريري عاد ليسترجع مساحة دور بدأت تتآكل وتتقلص، ام انه عاد في هذه المرحلة ليكون رأس حربة في لحظة تصادمية اقليمية فيكون بذلك قد لاقى رغبة خارجية، ام انه أتى بقرار من عندياته او وفق حساباته بهدف تجاوز ازمته واستدراج عروض من جهات اقليمية وجهات داخلية على السواء، وهو ما يمكن ادراجه في خانة الاستكشاف ليبنى على النتيجة مقتضاها؟
في القراءة الضمنية لهذه الدوائر ان الحريري ليس في وضع يتيح له مجاراة اي تصعيد يمارسه حليفه الاقليمي خصوصا بعدما بلغ حد التهويل بحرب برية في الميدان السوري المكتظ والملتهب ثم عاد وتراجع عن هذا التهويل لان المرحلة الاقليمية هي مرحلة مختلفة بكل المقاييس.
وبديهي ان الحزب وحلفاءه مطمئنون اكثر من اي وقت مضى الى ان “طحشة” الحريري في شأن تكرار الدعوة الى تأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس المقررة في 2 آذار المقبل لن تنتهي الى مشهد تدور فيه صندوقة الاقتراع دورتها الطبيعية، خصوصا بعدما ابلغ الرئيس نبيه بري كلمة سره الى من يعنيهم الامر.
وبناء عليه تصل هذه الدوائر الى استنتاج جوهره ان الرجل الآتي من غياب انما يؤدي لعبة “تشاطر اعلامي” عنوانها العريض القاء الحجة على الاخرين وتحميلهم تبعة التعطيل، لن تنجح في إحداث اختراق في جدار سميك داخلي يمكن اختصاره على النحو الآتي: إما تفاهم حول كل القضايا الخلافية الكبرى، واما الاكتفاء الى اجل غير مسمى بالحكومة الحالية رغم عجزها وقصورها عن تأدية دورها المفترض.
واستطراداً، لا تخفي هذه الدوائر انها توافق في الوقت عينه على خلاصة استنتاج برز في الاجتماع الاخير ـلـ”تكتل التغيير والاصلاح” وجوهره ان الحريري الذي لا يملك اية حلول ومخارج للازمات لم يأت الا لأمر عاجل وهو تبديد ما ارساه “تفاهم معراب” من نتائج.
وهل ان الدوائر تنتظر في لحظة معينة اتصالا من جهات في “بيت الوسط” او من سعاة خير تبدي استعداد سيد البيت لفتح قنوات تواصل افعل من الحوار الثنائي في عين التينة؟ دوائر الضاحية ترصد تراجع الحريري عن اتهام الحزب بتعطيل انتخاب الرئيس قائلاً لاحقاً انه يتمهل، وتتوقف ايضا عند ما اشيع اخيرا عن نصائح اسديت الى الحريري بكسر جدار القطيعة مع الحزب. ولكن ذلك، على اهميته، لا يعني حتى الان ان الحريري جاد فعلا في احداث انقلاب في المشهد السياسي المألوف منذ زمن.
وعليه تسأل الدوائر عينها: هل يتصرف على هذا النحو من يريد فعلا طي صفحة الشغور؟