IMLebanon

ثلاثة مخاطر لا علاقة لها بأيلول

لماذا يتمّ تصوير شهر أيلول وكأنه موعد لمنعطف خطير قد يواجهه البلد على المستويين السياسي والاقتصادي؟ هل صحيح ان هذا الشهر هو الموعد المعتمد لصدور لائحة أميركية جديدة باسماء متهمين بالتعاون مع حزب الله؟ وهل يشكّل ايلول موعدا لانتهاء المهلة المعطاة للبنان لاقرار اتفاقية التبادّل التلقائي للمعلومات الضريبية؟

منذ فترة، يتمّ التركيز على شهر أيلول على أساس انه في هذا الشهر سيواجه البلد مجموعة استحقاقات قد تشكل خطرا على وضعه الاقتصادي والمالي والسياسي. لكن الواقعية تُحتّم القول أن الخطر لا يرتبط بأيلول تحديداً، لكنه خطرٌ قائم يستند الى حقائق وأرقام لا يمكن التنكّر لها، من دون تحديد مواعيد دقيقة للأسباب التالية:

أولا- في ما يتعلّق باللائحة الأميركية الجديدة المرتبطة بقانون العقوبات الاميركي لمكافحة تمويل حزب الله دولياً، فان هذه اللائحة هي مجرد حلقة ضمن سلسلة، ليس أكيداً بعد موعد صدورها.

كذلك، فان الاسماء التي قد تحملها هذه اللائحة لن تشكّل مفاجأة لأحد. والكلام انها خطيرة لأنها قد تضمّ اسماء قياديين كبار في حزب الله، على رأسهم أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، لا يشكل خطرا حقيقيا، لأن قيادة حزب الله نفسها لا تركّز على خطورة أن تضم اللائحة اسماء قياديي الحزب، فهذا تحصيل حاصل، وهؤلاء هم في الاساس خارج النظام المصرفي اللبناني، ومن كان بينهم لا يزال يتعامل مع المصارف، أنجز في هذه المهلة مهمة الانفصال عن القطاع. وبالتالي، لا خطر في أن تشمل اللائحة اسماء قياديي الحزب.

ثانياً – ان الاشخاص والمؤسسات التي قد تشملها اللائحة لن تكون موسّعة كما يفترض البعض، لأن واشنطن أدركت في خلال الأزمة التي رافقت

البدء في تطبيق القانون، ان مصير لبنان على المحك، وهي بالتالي قررت تهدئة اللعبة، من دون أن يصدر أي موقف علني في هذه الشأن.

ثالثاً – ان تطبيع العلاقات بين قيادة حزب الله والقطاع المالي اللبناني، وعلى رأسه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتصريحات العلنية لقيادة الحزب، والاشادة بسلامة، بعد فترة من التوتّر، ما هي سوى تأكيد على اطمئنان الحزب الى وضعه حيال القانون الأميركي.

والواقع أن هذه الطمأنينة ما كان ليؤمّنها حاكم المركزي للحزب، لولا وجود تفهُّم أميركي للوضع، وتمرير كلمة سر الى كل من يعنيهم الأمر، مفادها أن واشنطن ستخفّف الضغط الى حدود ضمان عدم انفجاره في وجه الجميع.

رابعا – ان القلق المتعلّق بالموعد المحدّد لاقرار الاتفاقيات الدولية في شأن تطبيق اتفاقية التبادّل التلقائي للمعلومات الضريبية، مبرّر، لكن هذا الاستحقاق يمكن تجاوزه من خلال الالتفاف على القوانين اللبنانية القائمة، بمعنى المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقية، من خلال قرارات ومراسيم يمكن ان تتخذها الحكومة حاليا، والاستغناء مؤقتا عن مسألة الاقرار في المجلس النيابي.

لكن المشكلة قد تصبح أشد تعقيداً، في حال استغل البعض هذا الاستحقاق من خلال رفض الحلول المُتاحة، والاصرار على انعقاد المجلس النيابي في جلسة تشريعية يرفضها قسم من الاطراف بسبب استمرار الفراغ في الموقع الرئاسي الاول في البلد.

لكن مَكمن الخطر في هذا الملف لا يتعلق بتخلُّف لبنان عن إقرار الاتفاقية، بقدر ما يرتبط بالنتائج الخطيرة للاتفاقية في حال لم يُحسِن المسؤولون التعاطي مع نتائجها المحتملة.

خصوصا ان نمو الودائع في المصارف اللبنانية تباطأ الى مستويات لا يُستهان بها ولو أنها لا تزال كافية حتى الان لتمويل القطاعين العام والخاص، وبالتالي، أذا جرى اهمال الافادة من الاتفاقية فان حجم الودائع قد يتعرّض للتراجع، وهنا يكمن الخطر في الوصول الى نقطة يصبح معها نمو الودائع غير كافٍ لتمويل الدولة.

خامسا – ان المخاطر التي تهدّد الاقتصاد لا ترتبط بشهر ايلول حتماً، ولا علاقة لها باللوائح الاميركية ولا باتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية في حد ذاتها، بل بالثلاثية التالية: غياب الدولة، غباء قيادات الطبقة العاملة، وجشع الطبقة القادرة. وضمن هذه الثلاثية، يتظهّر الخطر المحيط بالوضع الاقتصادي العام. وتُظهر أرقام المالية العامة مستويات مُقلقة في زيادة الانفاق وتراجع الايرادات في النصف الاول من العام 2016.

واذا اعتبرنا ان تراجع الايرادات يرتبط بعاملين هما تراجع الحركة الاقتصادية عموما وارتفاع منسوب الفساد من خلال التهرّب من دفع المستحقات الضريبية للخزينة، فان زيادة الانفاق غير مبرّرة وتعكس استمرار السرقة والهدر، واستمرار غياب الرقابة والمحاسبة. وفي هذه النقطة بالذات يكمن الخطر، من دون تحديد ايلول موعدا لحلول خطر الانهيار.