IMLebanon

ثلاثة رابحين وثلاثة مُحرجين في المواجهة برّي من “حارس الهيكل” إلى “ملك اللعبة”؟

سواء انعقدت جلسة “تشريع الضرورة” في موعدها بمن حضر، وهو أكبر الايمان، أم خلق الله في ربع الساعة الأخير ما لا نعلم وظهرت تسوية ما، خصوصاً أن “حزب الله”، وفق معلومات، ما برح يبذل جهوداً لايجاد مرتكزات تحقّق مصالح الجميع، أم لم تنعقد، وهو أضعف الايمان، فالجلي أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قرر أن يخوض تجربة سياسية – برلمانية جديدة يكسر معها توازنات عمرها نحو عقد من الزمن، وأن يتعدى خطوطاً ومعادلات حتى لو اقتضى الأمر أن “ترتجف ركب” وتستيقظ هواجس دفينة وتعلو أصوات وتختلط أوراق.

المشهد الذي فرض نفسه خلال الأيام القليلة الماضية تبدّى وكأنه بالغ التعقيد وسيكون له فيض من التداعيات. ولكن لبري أكثر من سبب وتبرير يدفعه الى المضي قدماً في ما يراه كثر أنه مغامرة تنطوي على قدر من التحدي، فهو يتشوق منذ زمن لممارسة ما يثبت بالدليل القاطع أنه “ملك اللعبة” وانه لم يعد يكتفي بأداء دور “ناطورة المفاتيح” أو “حارس الهيكل” المقفل إلا على العتمة، لذا قرّر الإقدام حتى لو لم يكن في الأمر حزم.

لدى أوساط قريبة من الرجل انطباع انه قرر في الآونة الأخيرة أن يمشي في صفقة سياسية تنتهي بتفاهم ينتج انتخاب رئيس للجمهورية تنطبق عليه صفة التوافق. ومع انه بدأ يعد للأمر عدّته إلا أنه حوصر فجأة، إذ أتى من حذّره بأن اللعبة كبيرة وخطيرة ولها حسابات اقليمية معقدة وأبعاد داخلية، فما لبث أن تدارك الأمر وأطفأ محركاته فخال كثر انه لن يكرر التجربة، أو بمعنى أوضح أنه ربما استوعب الدرس.

في هاتيك التجربة أمّن بري لـ”تيار المستقبل” تغطية شرعية لانعقاد جلستين لمجلس الوزراء رغم مقاطعة افرقاء أساسيين بينهم حليفه “حزب الله”، فكان أن رد “التيار الأزرق” على التحية بأفضل منها إذ أمّن له التغطية لجلسة “تشريع الضرورة” التي عزم على عقدها حتى لو اضطر الى النزول وحيداً الى ساحة النجمة، على حد قوله، ليكسر جموداً في القاعة العامة لمجلس النواب مستمراً منذ ما يقارب العامين.

في التجربة السابقة كان “حزب الله” على الطرف النقيض تماماً، إذ تضامن مع حليفه العماد ميشال عون، أما هذه المرة فالحزب لن يخذله انسجاماً مع حسابات دقيقة.

وفي كل الحالات وجد بري الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق أمنيته الكبرى بفتح أبواب مجلس النواب أمام تشريع مهما كان حجمه، ولو اقتضى الأمر التحلل من مقولة نظر إليها طويلاً وهي الحفاظ على الميثاقية، وقرر الدخول في عملية تحد مع ثلاث كتل نيابية مسيحية وازنة تشكل عملياً ضمير الشارع المسيحي عموماً. ولم يعد خافياً أنه تحدٍ استفز ولا ريب الشارع المسيحي وأعاد إلى أذهانه تجربة التحالف الرباعي في صيف عام 2005، وبعث هواجس الالغاء لدور هذه الشريحة من الشعب اللبناني، فضلاً عن أن هذا التحدي أربك بكركي وارسل اشارات متناقضة في أكثر من اتجاه.

لكل طرف من طرفي المواجهة الدائرة فصولها حالياً أسبابه ومبرّراته، وكلاهما مارس في هذه الحالة لعبة الظالم والمظلوم والمستفِز والمستفَز حتى عندما بلغت الأمور مرحلة الاكتفاء بادراج بند قانون الانتخاب في آخر جدول أعمال الجلسة. ومع ذلك فإن الثابت أن بعض المراقبين قد انتقل من البحث في تفاصيل وخفايا ما يجري حالياً الى مرحلة محاولة رسم مشهد سياسي تقريبي وافتراضي لمرحلة ما بعد انعقاد جلسة “تشريع الضرورة” وفق ما استقرت صورتها وشروطها أخيراً.

بالطبع ثمة من يرى في الحدث برمته وفي الضجة المثارة حوله مجرد تهويل اعتادته الساحة السياسية وأدمنته الطبقة السياسية في الآونة الأخيرة، لا سيما بعدما طالت مرحلة الانتظار الاقليمي المفروضة قسراً وكبر العجز عن إدارة مرحلة الفراغ الحالية.

وعليه، ثمة من لا يؤيد إطلاقاً مقولة سرت أخيراً فحواها ان الحدث، بصرف النظر عن مآله، لن يهز ورقة التفاهم المبرمة في شباط عام 2006 بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، فهي ما زالت حاجة لطرفيها، فضلا عن انها صمدت في تجارب سابقة كانت أصعب وأكثر تعقيداً، علما ان مصادر في “التيار البرتقالي” روجت لنظرية أن الإصرار على عقد الجلسة هو محاولة لهز هذه الورقة. في حين سرت معلومات جوهرها ان صاحب الراية الصفراء يرتاب ضمنا من انجرار شريكه في التفاهم الى لعبة يبدو ان مالك زمامها هو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الخارج للتو من اعتكاف سياسي دخل فيه فور عودته من زيارة للسعودية. وعليه فالحزب وإن كان مطمئنا الى سلامة نيات شريكه في التفاهم، فإنه يعرب في اوساط ضيقة عن خشيته من ان تنتهي الجولة بتسجيل انتصار لمصلحة جعجع كونه ألزم “التيار البرتقالي” بجملة أمور ومواقف فيما بدا بمظهر القابض على زمام المبادرة.

ولا شك في أن ثمة من بدأ يتقصى عن رد فعل الشارع المسيحي إذا ما انعقدت جلسة التشريع وفق شروط بري، وهل سيعاد الاعتبار إلى مصطلح قديم هو الاحباط المسيحي، ومصطلح ان المسيحيين هم دوما ضحية صفقات تبرم في اللحظات المفصلية، علما ان هناك من يقلل من شأن هذا الامر ويرى ان المسيحيين هم ضحية عملية المزايدات في داخلهم وضحية طموحات رموزهم الحاليين. ومهما يكن من أمر، ثمة من يرى ان الفائزين في عملية شد الحبال ثلاثة والمحرجين ثلاثة. وابرز الفائزين هو الرئيس بري، رغم ان هذا الفوز سيكون محرجاً بألف ملاحظة وملاحظة عليه. وثانيهم هو جعجع الذي اتقن توقيت لعبة التواري والظهور على المسرح السياسي.

أما الطرف الأكثر ربحاً فهو “تيار المستقبل” الذي من المؤكد ان هذا الضجيج والضوضاء الحاصلين سيغطيان بقدر كبير أزمته الداخلية التي لم يعد ممكنا إنكارها، وسيحرفان الأنظار عن الحكومة العاجزة حتى عن معالجة أزمة النفايات.

أما المحرجون فهم “التيار البرتقالي” وأطراف مسيحيون آخرون مثل زعيم تيار “المردة” النائب سليمان فرنجيه والبطريركية المارونية التي يعتبر البعض ان محاولة رأسها إمساك العصا من منتصفها وعدم أخذ موقف حازم وحاسم هو نقطة ضعف.