Site icon IMLebanon

ثلاث سنوات.. والمحكمة تحاصر القتلة

في مثل هذا اليوم ومنذ ثلاث سنوات، انطلق قطار العدالة في لاهاي لمحاسبة مرتكبي جريمة العصر الإرهابية التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء الأبرار. هي المحكمة التي طالب بها الملايين الذين نزلوا الى ساحة الحرية في 14 آذار 2005 للإقتصاص من القتلة المجرمين الذين اغتالوا حلم لبنان واللبنانيين. المحكمة التي لم يعرف القاتل أنها ستولد من أجل محاسبة من خطط ونفذ هذه الجريمة التي لم تهز لبنان فحسب، بل هزت العالم أجمع، كون الرئيس الشهيد كان يشكل مصدر ثقة للعالم أجمع.

ثلاث سنوات، مرت على هذا «اليوم المجيد» في تاريخ لبنان واللبنانيين. هذا اليوم الذي لطالما حلم به ليس أهالي الشهداء فحسب بل جميع اللبنانيين. ثلاث سنوات وما زال الرئيس سعد الحريري يسير على العهد الذي أطلقه من أمام المحكمة الدولية في لاهاي مع انطلاقة جلساتها الأولى «نحن نطلب العدالة لا الثأر، والقصاص لا الانتقام ووضع حد للإغتيال السياسي في لبنان والعالم العربي».

كثر حاولوا وضع العصي والعراقيل في طريق قيامها، غير أن مطرقة العدالة التي أذنت ببدء المسار لإحقاق الحق وكشف حقيقة المتهمين ومن يقف وراءهم، كانت أقوى من عسس المخابرات ونظام الوصاية وغرفهم السوداء، غرف القتل والإغتيال. ومنذ ذاك الحين، لم يتوقف مسار العدالة رغم المحاولات العديدة التي قامت بها هذه الغرف السوداء، تارة بنشر أسماء الشهود وتارة أخرى بالتهجم على المحكمة وقضاتها. إلا أن صوت العدالة كان أقوى من هؤلاء، حيث عملت المحكمة على محاسبتهم على ما اقترفت أيديهم عبر شاشاتهم وورقهم الأصفر، مغرّمة إياهم على ما اقترفوه من «تحقير لأعمالها وعرقلة سير قطار العدالة».

ثلاث سنوات، كشفت المحكمة خلالها أدق التفاصيل عن المتهمين الخمسة في جريمة الإغتيال ثانية بثانية، الفارين من وجه العدالة والذين قتل واحد منهم في سوريا في الأشهر الأولى من السنة الماضية وهو المتهم مصطفى بدر الدين أثناء مشاركته ضمن صفوف «حزب الله» في قتل الشعب السوري الأعزل الى جانب نظام الطاغية الأسدي، الذي أنهى الشعب اللبناني وصايته على لبنان عقب جريمة العصر الإرهابية كونه من المشاركين في هذه الجريمة عبر التضييق الذي كشفته المحكمة خلال جلساتها على الرئيس الشهيد في الأيام الأخيرة قبل اغتياله والضغوط التي كانت تمارس عليه من قبل النظام الأمني السوري – اللبناني آنذاك. تماماً كما كشفت عن اتصالات للمتهمين بضباط سوريين وزيارات لهم الى عنجر وغيرها.

ثلاث سنوات، كان اللواء الشهيد وسام الحسن والرائد الشهيد وسام عيد أبرز الحاضرين فيها، من خلال العمل الذي قام به الشهيدان سوياً في تحليل داتا الإتصالات وكشف المتهمين وتحركاتهم وكافة الأعمال المتعلقة بمراقبة الموكب في يوم الاغتيال، والربط بين الشبكات (الأرجوانية والحمراء والزرقاء والصفراء) التي إستخدمت في الجريمة والتي استندت اليها المحكمة في قرارها الإتهامي. هذا العمل الذي أوصل الى كشف المتهمين وكافة تفاصيل تحركاتهم التي حددتها وكشفت عنها المحكمة خلال جلساتها، والتي أكد عليها خبراء في الإتصالات من خلال جداول أعدوها حول طرق عمل هذه الشبكات.

ثلاث سنوات، لم تهدأ المحكمة خلالها من إستجواب الشهود السياسيين والفنيين من خبراء اتصالات ومتفجرات وغيرهم والمقربين من الرئيس الشهيد الذين عملوا معه ورافقوه طوال مسيرته السياسية في لبنان وكانوا من اقرب المقربين إليه، والإستماع الى شهاداتهم التي كشفت كافة الخلفيات السياسية للإغتيال وتفاصيل لم يكن يعرفها كثيرون عن الرئيس الشهيد وحياته. وخلال الجلسات ايضاً، كشفت المحكمة عن كافة التفاصيل المتعلقة بسيارة «الميتسوبيشي» التي فخخت وأخرجت من كاراج في منطقة قريبة من مطار رفيق الحريري الدولي، والتي حاول فريق الدفاع لأكثر من مرة نسف فرضية السيارة والقول بأن التفجير حصل من تحت الأرض، إلا أن الأدلة والتفاصيل التي قدمها فريق الإدعاء كانت أقوى بكثير من إدعاءات فريق الدفاع عن المتهمين.

وخلال هذه السنوات الثلاث، خطت المحكمة خطوات مهمة باتجاه «الحقيقة» التي لطالما انتظرها اللبنانيون، إن كان من خلال «تأطير« الدوافع السياسية للمرتكبين عبر الشهود السياسيين الذين أجمعوا في شهاداتهم على الجو المعادي للرئيس الشهيد آنذاك وعلى الضغوط التي كانت تمارس عليه من قبل نظام الوصاية، أو إن كان من خلال إحكام الخناق على المتهمين ومحاصرتهم وفضح كافة تحركاتهم بالدلائل القاطعة وكذلك فضح المؤامرات التي كانت تعوق عملية سير العدالة.

وبعد ثلاث سنوات، يدرك اللبنانيون جيداً أنهم باتوا قاب قوسين أو أدنى من معرفة الحقيقة الكاملة ومن «خطط ونفذ» هذه الجريمة الإرهابية وإن أصبحت الصورة واضحة، خصوصاً وأنهم يدركون جيداً أن من سيعمل على إظهار هذه الحقيقة هي عدالة غير خاضعة للابتزاز أو للتهديد والتهويل، عدالة فضحت إجرام محور الشر وأدواته في لبنان الذين نفذوا جرائم الإغتيال منذ تسعينيات القرن الماضي وما زالوا حتى اليوم، ولكن حتماً لن يفلتوا من العقاب مهما تواروا عن الأنظار ومهما اختبأوا فالعدالة الدولية لهم بالمرصاد.. ولو طال الزمان.