Site icon IMLebanon

مخاض «التيار»: القيادة تضرب.. والمعارضة تستنهض قواعدها

يدرك رمزي كنج جيداً أنه حين خطّ مقالته الوجدانية – السياسية حول تجربته في «التيار الوطني الحر»، كتب «مسودة» فصله من الحزب الذي رافق مشواره منذ نشأته، لينضم الى قافلة «الشهداء الأحياء».

الصرخة التي وجَّهها كنج عبر الفضاء الإعلامي وتعبّر عن «وجع» كثيرين يشبهونه ويشكون من ضيق المساحة التي يتيحها النظام الداخلي للحزب، لا يمكن أنّ تمر هادئة على قلب القيادة، التي قررت اعتماد سياسة التشدد مستخدمة عصا «المحكمة الحزبية» تجاه كل نبرة معارضة.

هذه الصرخة إن دلّت على شيء فهي أكدت أن كل ما تقوم به القيادة من محاولات لتطويق الموجة الاعتراضية يبوء بالفشل، كذلك فإن إجراءات الفصل بحق كل من نعيم عون، زياد عبس وانطوان نصر الله، أظهرت أنّ هذه السياسة عاجزة عن ضبط الإيقاع كما تريده القيادة، ما ينذر بمزيد من التفلّت والفوضى.

لا يمكن، بنظر المعارضين، تجاوز مشهدية العشاء المعارض الذي استضافته بلدة بجّة الجبيلية قبل نحو أسبوعين، وكأنّ شيئاً لم يحصل. إذ إنه ليس تفصيلاً بسيطاً أن يجاهر أكثر من 230 حزبياً بمشاركتهم في لقاء مع قياديين حلّت عليهم «لعنة» القيادة وتوزيعهم «الصور – الإثباتات» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في خطوة اعتبرت على أنها تحدٍ للإجراءات «الترهيبية»، كما يصفها أحد المعارضين.

يوم السبت الماضي، التقى أكثر من خمسين عونياً في منطقة أميون في قضاء الكورة، وناقشوا مع بعض الوجوه المعارضة (نعيم عون، طوني عبد النور، طوني نصر الله، طوني مخيبر وغيرهم) طبيعة خطوات المرحلة المقبلة.

الأهم في ما تسجّله هذه اللقاءات المناطقية (يتم الإعداد للقاءات مماثلة في كسروان)، هو ضرب الخطة التي أعدتها القيادة لخنق الحالة الاعتراضية من خلال قطع «الرؤوس الكبيرة»، واستطراداً تعطيل «دينامو» حركتها داخل التنظيم، وفق ما يقول المعترضون. بنظرهم، أثبت هؤلاء أن سياسة البطاقات الحمر زادت الحماسة في أذهان العونيين الرافضين السير وراء القيادة على «العميانة»، لرفع وتيرة اعتراضهم وتوسيع مساحتها.

لكن بالنسبة للمدافعين عن وجهة نظر القيادة، المسألة لا تستحق هذه المبالغة في التوصيف. هو مجرد عشاء بين عونيين بعضهم حزبي والبعض الآخر لم يعد ناشطاً.

وطالما أنّ هذه «الجمعة» بين «رفاق» لا تحمل كلاماً مسيئاً بحق الحزب ولم تنتهِ ببيان رسمي يخالف توجّهات الحزب ومبادئه ونظامه الداخلي، فلا داعي للتعليق على بقية التفاصيل.

يؤكد أحدهم أنه منذ أيام قليلة تواجد زيد عبس في قداس مع جبران باسيل وقياديين من التيار، وسارت الأمور بشكل طبيعي لأنهم ليسوا أعداء. كل ما في الأمر أن القيادة تعمل على تطبيق النظام، وعلى الحزبيين تحمل مسؤولية تصرفاتهم.

ويضيف آخر أنه كان من الأفضل حصول هذه اللقاءات الحوارية تحت سقف الحزب وفق الآليات التي يتيحها كالجميعات العمومية ومجالس الأقضية لتكون مساحة نقاش صحيّ قادر على احتضان الرأي والرأي الآخر.

مع ذلك، صار من السهل على الفريق المعارِض الإعداد للقاءات مشابهة في مناطق تواجد «التيار»، بعدما فتحت الشهية على «المشاكسة»، ولكن ليس من باب «التمريك» على القيادة أو استفزازها، وإنما تسخين للأرضية المعارِضة، وتأسيس للمرحلة الجديدة، التي يقول أحد المعارضين إنها شبيهة بتلك التي حصلت على أيدي «المؤسسين الأوائل».

هنا يبرز السؤال الجوهري: الى أين؟ كيف ستتصرّف المعارَضة بعدما تغيّرت قواعد اللعبة وصار أبرز وجوهها خارج التنظيم؟

لا يفصل المعارِضون بين تطوّرات الداخل الحزبية وتلك الحاصلة خلف أسواره، سواء لناحية الأحداث السياسية، وتحديداً تلك المرتبطة بالرئاسة الأولى، أو لناحية تفاعل الرأي العام غير الحزبي مع الحراك الحزبي الداخلي.

يقول أحدهم إنّ كل الإجراءات الهادفة إلى ترويض الحالة الاعتراضية، فيها بعض الرهان على الأحداث السياسية، وتحديداً على نقطة تحوّل أساسية إذا ما حصلت، وهي وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. مع هذا السيناريو ستمسك القيادة سيفها لتقتصّ من كل صوت مزعج، وهي لا تزال حتى الساعة مقتنعة أن كل هذه الفوضى الحاصلة داخل «التيار»، سيتم ضبطها بثوان بمجرد وصول الجنرال الى الكرسي الأولى.

صحيح أنّ جبران باسيل، وفق معارضيه، مزعوج من ردة فعل الرأي العام تجاه أدائه التنظيمي، خصوصاً أن الإجراءات العقابية مطعون بشرعيتها ومرفوضة من جانب شريحة كبيرة من المتعاطفين مع الحالة العونية، غير أن ذلك لا يمنع القيادة من التخطيط لبناء رأي عام جديد لا تشوّشه الأفكار المشاغبة، إذا ما أتت حسابات الحزب موافقة مع حسابات الرئاسة…

وإلا كيف تفسر كل قرارات الفصل عشية الدخول في مدار الاستحقاق النيابي، وقد تكون الحاجة ماسة لكل نقطة محازب أو مؤيد، بينما جرت إطاحة مفاتيح حزبية!

يؤكد أحد المعارِضين أن القيادة تراهن على الهامش الذي ستتيحه لها التحالفات السياسية بمعنى أنها مقتنعة أنّها ستكون مرتاحة في حركتها، ولذا فضّلت التخلص مسبقاً من أي قيادي قد يشكل ضغطاً عليها لحاجتها اليه.

بنظر المدافعين عن القيادة، الأمور منفصلة تماماً. هذا الأداء «الضابط» للإيقاع، سيستمر سواء بلغ الجنرال أعتاب القصر أم بقي خارجه، لأن هذا النهج حتمي لمواكبة العملية التأسيسية ولا بدّ منه في مرحلة الانتقال من تيار متفلت من الضوابط التنظيمية إلى حزب ذي هيكلية ثابتة ونظام حديديّ.

يقول أحدهم إنه طالما أن الحزب لا يزال في طور الإنشاء فلا بدّ من إجراءات صارمة لتستقيم الأمور، لذا فإن الهدم الحاصل هو سلبي ومضرّ وهو غير مقنع، لأن الإصلاح ممكن وفق الآليات التي يتيحها النظام من الداخل.