IMLebanon

خنق زياد أبو عين…

ليس زياد أبو عين أوّل فلسطينيّ يقتله إسرائيليّ. وأغلب الظنّ أنّه لن يكون الأخير. لكنّ قتل زياد أبو عين يحمل من الدلالات ما يصعب أن تحمله عمليّة قتل أخرى.

ذاك أنّه في المعركة مع الاستيطان والمستوطنين، يُقتل من يزرع شتلة زيتون وهي رمز قديم من رموز البحر الأبيض المتوسّط وبلدانه. وفي المعركة مع المستوطنين، يُقتل من يكون مسؤولاً عن ملفّ الاستيطان ومقاومته مدنيّاً، فكأنّ ذاك المسؤول وتلك المسؤوليّة ممنوعان تعريفاً من أن يوجدا. ذاك أنّ تلك المسؤوليّة تفترض وجود الحقّ، كما تفترض أنّ الأرض لها ماضٍ وعليها بشر توارثوها جيلاً عن جيل. وهذا ممنوع في ظلّ القوّة المحضة التي تمدّ لحظة انتصارها الراهن على الماضي بقدر ما تشتقّ منها المستقبل.

ثمّ إنّ الحروب على الأرض ضاربة دائماً في التاريخ وضاربة في الأسطورة كذلك. وهي، على عكس النزاعات التي تدور حول خرافات تسميم الآبار أو صلب الأنبياء، تطال الحياة نفسها في ما تقدّمه من غذاء وسكن وحرّيّة ومدى لإعمال المخيّلات. ولأنّ المسألة في غاية البديهيّة، وبمعنى ما في غاية البدائيّة، فإنّ الخنق واحد من أسلحة الحرب على الأرض كما خيضت منذ كان الإنسان الأوّل.

والفلسطينيّ مطلوب منه اليوم أن يُخنق وهو سعيد، فلا يبدي وجهه ذاك الألم وتلك المرارة اللذين ظهرا على وجه زياد أبو عين حين كان يُخنق. ذاك أنّه لا يفعل سوى معاندة الطبيعة التي ينبغي أن يمتثل لها.

لكنّ الأهمّ، بالمعنى السياسيّ، أنّ المسألة باتت بلا أفق سياسيّ بتاتاً. إنّها خنق أو ما يشبه الخنق يُردّ عليه بالدعس والسكاكين وما تيسّر. وقريباً حين ينعقد المؤتمر العامّ لحركة «فتح»، على ما هو متوقّع، يُفترض بالرئيس محمود عبّاس أن يعلن فشل خيار المفاوضات بعدما أعلن فشل خيار الانتفاضات، وأن يقول إنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة تمنعه من التوجّه بقضيّته إلى مجلس الأمن، وأنّه من دون تغيّر أميركيّ يوصل إلى مجلس الأمن لن يكون حلّ ممكن، وأن يضيف أنّ التنسيق الأمنيّ مع الإسرائيليّين كارثيّ النتائج على الأصعدة جميعاً، لكنّ وقف التنسيق الأمنيّ كارثيّ أيضاً، مستخلصاً أنّ الأموال التي تصل إلى السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة عبر إسرائيل سبب لتنازلات غير مقبولة، إلاّ أنّ رفض تلك الصيغة، ورفض تلك الأموال تالياً، سبب لانهيار شامل.

أمّا الذين حلّت عليهم نعمة الجواب السهل والقاطع فلن يراجعوا المراحل التي أدّت إلى الوضع الراهن، ولن يراجعوا، بطبيعة الحال، مسؤوليّاتهم عنها. وأكثر الذين لن يراجعوا أولئك المتمسّكون بممانعة سبق لعاصمتها أن تعرّضت قبل أيّام قليلة لضربة إسرائيليّة سادسة أو سابعة، واكتفت بعدم الردّ في انتظار الأوقات الملائمة.

في هذه الغضون، يختصر زياد أبو عين، في خنقه من جرّاء دفاعه عن الأرض وزيتونها، قضيّة تُخنق وشعباً يُخنق، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.