Site icon IMLebanon

إبهام واضح

تبدو حمّالة أوجه، دعوة الرئيس دونالد ترامب، الروس الى احتواء، أو كبح جماح إيران ورئيس سوريا السابق بشار الأسد.. وتدلّ للوهلة الأولى على أنّ الإدارة الأميركية لم تعتمد بعد خياراً حاسماً إزاء النكبة السورية مع أنها قالت وتقول «كلاماً حاسماً إزاء الدور الإيراني والوحشيّة الأسدية والضرورة الواجبة لـ«وقف القتل المروّع»!».

وبانتظار تبيان القصد الأميركي الفعلي من مصطلحَي الاحتواء وكبح الجماح (الفالت!)، يمكن التذكير، بأنّ واشنطن سبق وأن أعطت إشارات وتصريحات وافية الى اعتبارها أنّ «سلطة آل الأسد» انتهت.. وأن منطق الأمور يستدعي التشديد على هذه المسلّمة في موازاة السّعي المؤكّد الى ضرب «داعش»، والإرهاب عموماً. وعلى أنّ إيران، في الأدبيات السياسية لأقطاب الإدارة في واشنطن، هي «رأس الإرهاب». وأدوارها (الخارجية) تخريبية تماماً.

ما عزّز الإبهام وتعدّد وجوه الكلام في موقف ترامب الأخير هذا، هو أنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قال غداة اجتماعاته في واشنطن، ما يُفهم منه، أنّ موقف موسكو من الأسد لا يزال في مكانه! والعودة الى استحضار المثالين العراقي (صدّام حسين) والليبي (معمّر القذافي) في معرض تبرير البلف الروسي، يدلّ على إرادة بتظهير افتراق في وجهتَي النظر بين الطرفين لم تستطع الإرادة المتبادلة للوصول الى «إتفاق» أو «تفاهم»، إزالته!؟

ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي كان قال قولته عن انتهاء زمن «آل الأسد» من موسكو وغداة لقاءاته فيه مع فلاديمير بوتين ولافروف.. والآن، يقول نظيره الروسي قولته عن مثالَي صدّام والقذّافي من واشنطن. وكأنّه في الإجمال يحرص في الشكل على إظهار توازن بين الطرفين، بغضّ النظر عما إذا كان المضمون غير ذلك!

والأسلم والأدق تبعاً لذلك، هو الافتراض، بأنّ موسكو تلاقي واشنطن في موقف (بديهي) يقول بأنّ الاصطدام التكتي والاستراتيجي بينهما غير وارد، لا من أجل إيران ولا من أجل الأسد. وإن العكس هو الصحيح. بحيث أنّ مساحات التلاقي بين الطرفين لم يسبق أن كانت على هذه الرحابة منذ انتهاء الحرب الباردة ونتيجة لها. وربّما يكون موقفهما المشترك من إسرائيل أمتن من خلافهما على مسألة العقوبات التي أفرزتها حرب أوكرانيا وضم القرم، وأكثر مدعاة للاطمئنان الكلّي الى «مستقبل واعد» للعلاقات الأميركية – الروسية في الإجمال.

وقيل سابقاً ويُقال مجدداً، إنّ هذه الإدارة الأميركية التي لم يسبق أن حَوَتْ إدارة مثلها هذا الكمّ من الجنرالات والقطعيين، تتصرف وفق سياق عقلاني تام وإن كان مشحوناً بمواقف وتصريحات غاضبة وعصبية.. و«قصتها» مع إيران تدلّ على ذلك. أكان لجهة إعادة ترميم الجسور التي خلخلها باراك أوباما مع دول الخليج العربي، والمجموع الإسلامي الأكثري، أو لجهة مقاربة التصدي للأدوار والأدوات الخارجية الإيرانية من خلال جذب الروس وليس تنفيرهم، أو من خلال مقاربة بعض تفاصيل «الحرب على الإرهاب» واستخدام كل العناصر الضرورية لها بما فيها العنصر الكردي مرحلياً، والتأكيد في المقابل على امتلاك ما يكفي من مقوّمات لطمأنة الأتراك استراتيجياً!

وبالتالي، يمكن الظن أن مفهومَي «الاحتواء» و«كبح الجماح» هما اختصار لدعوة واشنطن الجانب الروسي الى «المشاركة» في حملة قصّ الجوانح الإيرانية في سوريا، أو على الأقل عدم التدخل السلبي فيها!

وتلك خطوة تلبي طموح الكرملين الى الندّية المشتهاة ولا تضرّ بها.. مثلما تسمح له بالحفاظ على الكرامات ومياه الوجوه والشكليات البرّانية التي تعزّز صورة «الدولة العظمى» العائدة من تيه خسارة الحرب الباردة!

وعلى الهامش: من يستمع الى محطة الكلام التي يتوقف عندها لافروف دائماً لتبرير التمسك بالأسد، يظنّ أنّه يتحدث عن السويد وليس عن سوريا! وكأنّ الوضع السوري اليوم مع الأسد وبسببه، أحسن أو أفضل أو أرقى أو أهدأ من ليبيا بعد القذافي. والعراق بعد صدام حسين! بل الأنكى من ذلك، هو أنّ الأخيرَين غابا بعد أن «اطمأنّا» تماماً الى الخراب بعدهما. في حين أن الأسد مصرّ على إتمام المهمّة بنفسه قبل أن يغيب!

ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، يمكن استعارة المنطق الروسي إزاء الأسد، واستخدامه في وجه الكرملين: كان من الأجدى وفق ذلك المنطق، الاستسلام أمام النازي في الحرب العالمية الثانية، بدلاً من أن يُدمّر الاتحاد السوفياتي وتدفع شعوبه أكثر من ثلاثين مليون ضحية في مواجهته!… أم ماذا؟!