قبل نصف قرن، زار ضيف أجنبي لبنان، وطلب المسؤولون من موظف مثقف أن يتولّى ترجمة خطابه، في حفل عام وكبير.
لم يسألوا الموظف عما اذا كان يجيد فهم لغة حضرة الضيف. ولم يعقب هذا الأخير على ما طلبوه منه.
صعد الضيف الى المنصّة، وألقى خطابه، وصعد الموظف بعده وارتجل ترجمة للخطاب باللغة العربية.
طبعا، كان خطاب الضيف بلغة بلاده التي يجهلها معظم الحاضرين، ويجهلها أيضا الموظف المطلوب منه ترجمتها.
إلاّ أن أحد الحاضرين، وكان يفهم لغة الضيف الزائر، استغرب كلام الموظف، وعاتبه وأخذ عليه، انه لم يتفوّه بعبارة واحدة تشير الى ما ورد في خطاب الضيف.
وعقّب المترجم بأنه موظف، ولا يستطيع رفض ما يطلبه منه المسؤولون الكبار في الدولة.
والقصة ظلّت سرّا من الأسرار. لا الضيف عرف حقيقة ما نقل عنه المترجم، ولا معظم المسؤولين الذين أعجبوا ببلاغة الموظف وسرعة بديهته.
وهذه الرواية، تعود الى الأذهان هذه الأيام، فكل ذوي الشأن يدورون في تصريحاتهم، اما تأييدا لأقوال هذا السياسي أو للتنديد بما يصدر عن الآخرين.
***
هذا يجري في عصر سياسي مقفل على المفاهيم الحقيقية للوضع السائد الآن في البلاد، وكأن لبنان يتعرّض لصاعقة سياسية لا لهدنة.
وأصحاب المواقف من الأزمة صامتون، اما تدراكا لما حدث منذ أسبوع، على الرغم من نداء رئيس الجمهورية الى التسامح، وحرص الرئيس نبيه بري على كلمات مقتضبة، ومساعي رئيس الحكومة سعد الحريري الى التهدئة.
وخلاصة ما صدر يستدعي من السياسيين، من معظم الجهات الحكمة، والحنكة لاحتواء ما حدث.
وهذا، إن دلّ على شيء، فيدلّ على أنهم يمارسون سياسة تبييض الوجوه، لا أن يكون كلامهم عود ثقاب يُشعل النار اذا ما قربت من الانطفاء.
وكان كلا منهم يتصرّف، مثل ذلك الموظف الذي ترجم خطابا، لا ترجمة فيه لما قاله الخطيب الأصيل.
طبعا. البلاد بحاجة الى هدنة سياسية، للتفرّغ الى معالجة القضايا الحياتية، والأوضاع المالية الصعبة وتصحيح القانون الجديد للايجارات الذي وصفه المخلصون بأنه من أسوأ ما تمّ تصديقه في البرلمان بصورة ملتبسة وفي ظروف غامضة. والبلاد على أبواب انتخابات نيابية جديدة على أساس النسبية، ووفق الصوت التفضيلي والحاصل الانتخابي المشوبين بنصوص تسيء الى العهد والى سمعة السادة النواب.