بالنظر الى خطورتها والتداعيات التي نجمت عنها، تستحق مشكلة النفايات الكارثية التي بدأت معالجتها وإن جزئياً، التوقف عندها ملياً للانتباه والحذر وأخذر العبر:
أولاً – تجدر الإشارة بداية، الى أن البدء برفع النفايات من شوارع العاصمة وأحيائها ساهم في تنفيس احتقان بلغ ذروته بعد عشرة أيام من تكدسها، ولا مبالغة في القول إن العاصمة، والبلاد عموماً بدتا على برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة!
ثانياً – شكّلت الأزمة بتداعياتها الكارثية هزّة كبيرة ستكون لها ارتدادات في المدى المنظور، ليس على الحكومة ككل، بل على مفهوم الدولة، وأقل عبارة تم تداولها كانت: إن دولة تعجز عن حل مشكلة النفايات ليست بدولة ولن تستطيع أن تفعل شيئاً آخر… لقد اهتزت ثقة المواطن بالدولة بشكل لا سابق له!
ثالثاً – كان الشعور بالانكشاف قاسماً مشتركاً بين الناس جميعاً ولا سيما نتيجة الانفلات الأمني الذي أطل برأسه من خلال تجمعات مشبوهة تولت فلش النفايات و”تعميمها” وحرقها وقطع الطرق في عملية تخريب واضحة على مرأى من الجميع بمن فيهم الأجهزة الأمنية، وقد عاد كثيرون بالذاكرة الى شعور مشابه طغى في محطات سابقة وفي تواريخ معينة أواخرها: 6 شباط، حروب التحرير والالغاء، 7 أيار، “أيام الغضب”، “القمصان السود” وكل المحطات التي غابت فيها الدولة كلياً، شعور بالانكشاف لم يعرفه اللبنانيون في العاصمة خصوصاً، في أسوأ أيام الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، حين كان القاسم المشترك قضية وطنية حقيقية عنوانها التصدي للعدوان الإسرائيلي…
رابعاً – بالاضافة الى الشعور بالقلق على المصير، ثمة شعور بالقهر عمّ البلاد، والعاصمة خصوصاً، إذ شعرت بأن الكل تخلوا عنها وهم من أهلها وسكانها، هي التي تختصر بمكوناتها الوطن، لم تشعر بوقوف أحد الى جانبها في الأيام الصعبة!
خامساً – شكّل الاعتداء المعنوي على دارة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، جرحاً بالغاً في بيروت وقد شعرت بالاستضعاف والاستهداف، وكان التعبير عن هذا الشعور بصوت عال من خلال استعراض المستهدفين بالتظاهرات “السيارة”: سلام وفؤاد السنيورة ورشيد درباس، والسؤال عن تلك المصادفة وعما إذا كانت المشكلة عند هؤلاء حصراً؟
سادساً – ثمة ظاهرة لافتة ببشاعتها وتداعياتها وهي وقوف القوى الأمنية “على الحياد” أمام أعمال فلش النفايات وحرقها وقطع الطرق… وإذا كان هذا الموقف طبيعياً حيال تجمعات الاحتجاج على عدم حل المشكلة، فإنه يصبح مشكلة جديدة أمام أعمال الشغب!
سابعاً – شعر اللبنانيون عموماً بخيبة أمل كبيرة من الطبقة السياسية برمتها، إذ كان على رموز هذه الطبقة تناسي خلافاتهم واللقاء على هدف واحد هو إنقاذ الناس، وقد بلغ دخان الحرائق غرف نومهم… لكن هؤلاء بدوا لامبالين وفي عالم آخر… افتقدهم المواطن، ولا سيما “الأقوياء” منهم…
أمام هذا المشهد، فإن أقل ما يُقال في الأيام العشرة المظلمة، أنها شكلت سقوطاً مدوياً للطبقة السياسية ومفهوم الدولة…
لا تستهينوا بتداعياتها… انتبهوا!