IMLebanon

الغِسل

 

 

كنت أتامل، أمس، في حالنا، أين كنا وأين أمسينا في هذا الوطن الذي كان فريداً بين الأوطان ازدهاراً وبحبوحةً وسِعة عيشِ وديموقراطية إلخ… فبات فريداً بين البلدان فقراً وجوعاً وتعثّراً وعجزاً وتقهقراً وهبوطاً إلى ما تحت التاحتين.

 

ولقد صودف أن هذه الخاطرة تمكّنت مني وأنا أرى إلى شاشات التلفزة لأتابع مراسم خميس الغِسل عند الطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي، لأُشاهد كِبار رجال الإكليروس ينحنَون ليقبّلوا أرجُل الناس تيمّناً بالمعلّم الإلهي الذي قبّل أرجل تلامذته في ذُروة التواضع، ما لم يُقدم عليه بشرٌ طوعاً، أما السيد المسيح، فمن موقع القيادة والقوّة، أقدم على ما لم ولن يُقدم عليه بشرٌ قبله وبعده.

 

نحن لا نطلب من القيادات عندنا، التي تترهّل في المقاعد الوثيرة، مثل هذا العمل الكبير، ولا حتى تقبيل الأيادي (مع أن بيننا الكثيرين ممن يُريدون لتلك القيادات والزعامات والمافيات أن تُقبل مكاناً آخر أيضاً)… نقول إننا لا نطالبهم بالاقتداء بروح الله المتجسّد بشراً في ما بيننا عملاً ببشارة الملاك جبرائيل للسيدة مريم العذراء. فقط نريد منهم أي يتواضعوا قليلاً، فعلى الأقل أن يستقبلوا الناس وأن يحسّوا بمشاعرهم وآلامهم، وأن يُبعدوا عنهم وطأة المرافقين والزعران وسائر الذين «يتمقطعون» بهم.

 

ونُريد منهم ولهم أن يُصالحوا بعضهم بعضاً، فتقلّ البغضاء، ويهبط مؤشر الكراهية الذي هو في سباق مع ارتفاع مؤشر سعر الدولار.

 

لا نُطالبهم بأن يتبادلوا قصائد الغزل وموشّحات الحب، إنما أن يوقفوا هذا الأسلوب المريض من الردح تبادلاً للتهم وتبارياً في من يُسيء أكثر من الآخر إليه.

 

نُريد منهم أن يُدركوا (وأن يخجلوا) أنهم بنوا ثرواتهم الهائلة من جيوب الناس، وعمّروا الدور والقصور من لحم الشعب الحي، وأسسوا المشاريع الضخمة على الأملاك العامّة من عرق هذا الشعب وعلى حساب حقوقه ومصالحه.

 

لسنا نُطالبهم بأن يردوا إلى الشعب حقوقه المسلوبة ولا أمواله المنهوبة ولا مُدّخراته المهدورة… فقط نطالبهم بأن يفكوا أسر كرامة الناس التي ارتهنوها وبالغوا في المتاجرة بها.

 

ولا نطالبهم بالقيام بأدنى واجباتهم تجاه الناس، فقط نريد منهم ألا يقودوا هذا الشعب الصابر، الصامد إلى المزيد من التهلكة (هل ثمّة مزيد؟) وألا يدفعوا به إلى اقتتال تُراق فيه الدماء الطهور، وأن يوقفوا هذه التجارة القبيحة بالقيم والمقدّسات.