أبى الرئيس حسين الحسيني برحيله، إلّا أن يُذكّر بالدستور الذي تمّت استباحته وبالإنتخابات الرئاسية المغيّبة قسراً، فتمّ تأجيل جلسة استعراضية أخرى، كان من المقرّر فيها أن يتم التصويت للمرشح الوحيد المعلن ميشال معوّض، ولشبح الورقة البيضاء الذي صنعه «حزب الله» في ليل، ونفّذه حلفاؤه صاغرين في الجلسات الاستعراضية كلّ لحساباته الخاصة. فكانت النتيجة تحوّل يوم الخميس إلى محطة أسبوعية لتعداد أيام الفراغ، ولتسليط الضوء على أسوأ ارتكاب بحق البلد المنهار وبحق الرئاسة والجمهورية، خصوصاً من أطراف تدّعي الحرص على الرئاسة والحقوق كـ»التيار العوني» وسائر حلفاء «حزب الله».
رحل الرئيس الحسيني فأجّل رئيس المجلس الجلسة المؤجلة نتائجها حتى انقشاع ضباب الصورة الإقليمية والدولية، التي لا يبدو أنها ستنقشع قريباً. لو عقدت جلسة الخميس لكان أمكن إحصاء نتائجها بكل سهولة. تصويت ثابت للمرشح الرئاسي ميشال معوّض، وورقة بيضاء من معظم نواب «حزب الله» وحلفائهم، وأسماء مبعثرة ترمى هنا وهناك من نواب لا يعرفون الطريق التي سيسلكونها طوال السنوات الأربع المقبلة.
إنّه اذاً الاستعصاء في المعادلة الداخلية حيث لم يبق من قواعد اللعبة، إلّا الإنتظار، مع احتمال كبير بأن يطول هذا الانتظار، من دون أن يملك أي طرف القدرة على تحديد موعد الحسم الرئاسي. الإنتظار في الداخل يترقّب الاتصالات الجارية في باريس والرياض وقطر، كما يتحسّب لصمت طهران التي أوفدت وزير خارجيتها أمس إلى بيروت لتذكّر العالم كله بأنّها اللاعب المقرّر في لبنان.
أمّا بين الرياض وباريس وقطر، فاتصالات ومساعٍ لم تأت بجديد. قطر تنسّق مع الرياض، وباريس تسعى لنيل موافقة المملكة على المساعدة في إنتاج حل، لكنّ السعودية لا تزال على تشدّدها بخصوص الملف اللبناني. لا مساعدة في سياق خطة صندوق النقد الدولي ولا خارجها، إذا لم يلتزم لبنان بأن يكون دولة لا مسرحاً لطهران تستعمله ضد العرب. لا مساعدة إذا لم يطبّق لبنان القرارات الدولية ويضبط الحدود ويوقف تصدير الكبتاغون للخليج. لا مساعدة إذا لم تتوقف منابر إعلام الحوثي عن البثّ من الضاحية الجنوبية، ولا مساعدة إذا لم يتوقف تدخّل «حزب الله» في اليمن. لا مساعدة إذا لم يُنتخب رئيس سيادي وإصلاحي وإذا لم تشكّل حكومة تلتزم الإصلاح ولا تشرّع السلاح غير الشرعي في بيانها الوزاري.
وفق هذه المعادلة السعودية الثابتة، لم يعد بالإمكان انتظار الكثير من المبادرة الفرنسية، ولا من الوساطة القطرية التي لا تتحرّك إلّا بالتنسيق مع السعودية. كلّ ما يمكن توقّعه هو استمرار العمل للإتيان برئيس بهذه المواصفات، لكن ذلك يصطدم بـ»حزب الله» الذي يعطّل جلسات انتخاب الرئيس ليفرض على الخارج أن يتفاوض معه، وفق شروط لا يبدو أنه في وارد التنازل عنها.
بناء على كل هذا الإنسداد، لا يتوقّع الوصول إلى تسريع ولادة التسوية الرئاسية، وتستمرّ المناورات على هامش هذا الانتظار، وتجد المعارضة نفسها أمام مسؤولية رفع سقف المعركة إلى مستوى التنسيق السياسي الذي يتخطّى لعبة التعداد والأرقام.