IMLebanon

هكذا سيحاول عون تغيير قواعد اللعبة الرئاسية

الجنرال» ينفّذ انقلاباً.. لـ«التوافق»

هكذا سيحاول عون تغيير قواعد اللعبة الرئاسية

وكأنّ القيّمين على الحوار الثنائي بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، يحاولون غضّ الطرف عن السجال الملتهب الذي اندلع بينهما على خلفية الموقف من اعدام الشيخ السعودي نمر النمر، بعدما كانا متفاهمين ومن غير أن يقولا على تحييد الساحة اللبنانية عن الاعتراك الاقليمي، فوضع «الزرق» مسألتي سلاح «حزب الله» ومشاركته في القتال السوري على طاولة رديفة، وجلسوا وجهاً لوجه مع الخصوم.

في لحظة التهاب عابر للاصطفافات الاقليمية، إذ بهما يغرقان مجدداً في مستنقع التقاتل بين المحاور الخارجية، ويصبّان الزيت على نار الخلافات الداخلية التي حوّلت البلاد الى أشبه بمريض يقبع على سرير الموت وينتظر من يضع حدّاً لحياته.

تدرك القوى السياسية جيّداً أنّ انغماسها في أتون الصراعات الحاصلة من خلف الحدود سيزيد الملفات اللبنانية تعقيداً وعدم قدرة على الحلحلة الذاتية، ولهذا كانت المحاولة الهشّة لعزل الوضع اللبناني، ولو بالكلام فقط، عن الحروب الدائرة في المنطقة والتي تحولت من معارك محلية الى حرب عالمية باردة يشارك فيها الكبار قبل الصغار.

هكذا، لم تكن مبادرة باريس، بغضّ النظر عن جوهرها، الا نوعاً من الخروج عن سياق الأحداث الحاصلة في الإقليم والآخذة الى التوتر، وكأنه تحييد للملف اللبناني عن مسار رفيقاته، وخرق ايجابي للاشتباك.

ولهذا أيضاً، بدا صعباً على الطرح الباريسي أن يصمد بقوته الذاتية في وجه العاصفة التي هبّت من قلب السعودية على أثر اعدام الشيخ النمر، والمنذرة بهبوب عواصف مضادة بمثابة ردّ عليها، وتظهيراً للتوتر الاقليمي المتوقع. إذ ان عودة اللبنانيين الى ملعب التقاتل الخارجي، ستمنع بطبيعة الحال نشوء مشهد محايد لا بدّ منه لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي، ومن خلفه الوضع اللبناني برمته، من نيران التوتر الحاصل في المنطقة.

ولهذا فإنّ رغبة القوى السياسية في وضع الانتخابات الرئاسية من جديد على سكّة «اللبننة» يحتاج بالدرجة الأولى الى عزل الخطاب الداخلي عن الاقتتال الخارجي وتنقيحه من مفردات الحروب والجبهات، حفاظاً على بعض الهدوء الذي لا بدّ منه لتلاقي الأطراف الخصمة عند خطوط مشتركة.

عملياً، لا يمكن للبنانيين أن يرسموا مشهداً مناقضاً لمسرح الاشتباك الاقليمي، فيحيّدون رئاستهم لتكون عكس التيار الخارجي، إذا ما قرروا الانغماس في مستنقع الخلافات الحاصلة من حولهم، لأن عودتهم للوقوف على الجبهات، كل وفق حساباته، سيضع الاستحقاق الرئاسي ومن خلفه الحياة الدستورية والسياسية، في ثلاجة الانتظار، الى أمد لا يعرفونه أبداً.. اذا لم يُلحق بقافلة التفجير الاقليمي.

ولهذا السبب ربما، قرر الجنرال ميشال عون تحريك المياه الراكدة، في الداخل قبل الخارج. هو مقتنع كما غيره أنّ التراشق بين القوى اللبنانية على خلفية تحميل كل فريق، الآخر، مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي، ليس سوى تظهيراً لانسداد الأفق الاقليمي وتعبيراً عن حال التوتر السائدة في المنطقة وتكريساً لتربّع فخامة الشغور في قصر بعبدا.

هكذا، بدا أن المنفذ الوحيد لفك أسر «كرسي الموارنة»، هو من خلال تغيير قواعد اللعبة، علّ ذلك يساعد على كسر «لعنة الشغور» وفرض معادلة جديدة، أسوة بما أراد سعد الحريري وفريقه السياسي فعله، حين قرروا ترفيع مرتبة سليمان فرنجية الى رتبة «مشروع مرشح توافقي». هم فعلياً سعوا الى كسر النمطية التي كانت سائدة والتي واجهت حائطاً حديدياً حال دون ترجمتها أصواتاً في الصندوقة الاقتراعية، ولذا راحوا الى خيار لم يخطر على بال قوى «8 آذار»، لاعتقادهم أن بإمكانهم تحقيق ما عجزوا عن فعله طوال الفترة الماضية.

رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» يفتح الباب أمام سمير جعجع بعدما قرع الأخير الجرس هرباً من «حكم الإعدام» الذي يعتقد انه سيتخذ بحقه فيما لو وصل رئيس «تيار المردة» الى سدّة الرئاسة. المشاورات تتسم بدرجة عالية من الجدية، فيها كل الحسابات، تلك المتصلة بالحاضر وتلك المرتبطة بالمستقبل.

ساذج من يعتقد أن ميشال عون استسلم سريعاً للهبّة التي أتت من العاصمة الفرنسية، ودفعته الى رمي كل اوراقه في سلة المهملات. على العكس تماماً. الوقت يزيده تمسكاً بطموحه للوصول الى سدة الرئاسة مهما كلفه الأمر. لا يكترث لحركة الساعة التي تعبر ثقيلة، ولا يهتم لمن يعيّره بعدم امتلاك ترف الزمن. الظروف الممانعة التي تقف بوجه ترئيسه تزيده تحدياً وصلابة، ولذا لا يهادن ولا يسأل عن «الخطة ب» أو حتى يفكر بها. يتصرف على أساس أنّ الكل مأزومون، وطالما أنّ «الكرسي المخملية» لا تزال شاغرة، فإنّ حظوظه لا تزال قائمة بالانتقال من الرابية الى بعبدا.

هو عملياً، سيحاول فرض واقع جديد يتمثل بتأييد جعجع له، وهو الشرط الذي كان يضعه الحريري عليه ليكون مرشحاً توافقياً. هو يتقدم نحو هذه الخطوة، فكيف سيتصرف الآخرون حيال هذا الانقلاب؟