لم يحتج رئيسُ مجلس النواب نبيه بري الى بذل مجهودٍ استثنائيّ ليُقنعَ رئيسَ الحكومة المكلف سعد الحريري بالمشاركة في جلسات تشريع الضرورة. عادة ما يرفض رؤساءُ الحكومات مبادرةً من هذا النوع كونها تنتقص في نظر بعضهم، من «هيبة» الحكومة شبه المشلولة ورئاستها «المعلّقة»، لمصلحة نفوذ السلطة التشريعية الذي يعلو في تلك اللحظة ما عداه.
لكنّ الحريري فعلها. حمل حكومته «المُنتقص دسمها» إلى تحت قبّة البرلمان لإقرار سلّة قوانين بحجة أنها ملحّة ولا تنتظر قطار التأليف الذي لا يزال بعيداً من محطة الوصول. هكذا لم يمانع عقد جلسات تشريع استمرّت يومين، ومرشحة للتكرار إذا ما بقيت مشاوراتُ التأليف في «عنق» العقد الوزارية.
عملياً، تتصرّف الأطراف جميعاً على أساس أنّ المحاولات الجارية لتذليل عقبات تأليف الحكومة لم ترتقِ إلى مستوى الحسم. يكفي أن يرفض رئيس حزب «القوات» سمير جعجع سماع، ولو الأحرف الأولى، لمبادرة معالجة جديدة لأزمة العقدة المسيحية التي تقوم على قاعدة «إعادة» نيابة رئاسة الحكومة إلى «القوات» ضمن الرباعية الوزارية، لكي يتبيّن أنّ الملفَّ الحكوميّ مسجونٌ في مربّع المراوحة.
أكثر من ذلك، لا شيءَ يوحي بأنّ الأيام القليلة المقبلة قد تحمل انفراجاً ما من شأنه أن يقلب المعادلة ويعيد الحياة إلى شرايين السلطة التنفيذية التي لا تزال حتى اللحظة في غرفة العناية الفائقة. ولهذا يحاول البعض البحث عن «بدل عن ضائع».
هكذا طرحت «القوات» سيناريو عقد جلسة للحكومة تحت عنوان «الضرورات تبيح المحظورات». وهنا ترى معراب أنّ مسعاها لعقد «جلسة ضرورة» للحكومة لا تُصنّف في خانة «المحظور» لأن سبق لحكومات ما بعد «إتفاق الطائف» أن تجرّعت هذه الكأس من دون الإصابة بالتسمّم.
في نظر «القوات»، لا بدّ من جلسة سريعة تكون بجدول أعمال محدَّد لإقرار سلسلة قرارات لا بدّ منها في هذه اللحظات الاقتصادية والمالية الصعبة، وإلّا لا معنى للقوانين التي تمّت المصادقةُ عليها في الجلسة التشريعية الأخيرة خصوصاً في ما يتّصل بمترتّبات مؤتمر «سيدر».
وما يزيد من حجّة الفريق المؤيّد لعقد «جلسة ضرورة» حكومية، هو احتمال تعثّر ولادة حكومة جديدة وبالتالي انفلاش الأزمة الاقتصادية اذا لم يجرِ وضعُ مقرّرات «سيدر» على سكة التنفيذ. كما أنّ المطلوب عقد جلسة واحدة تضمّ كل البنود العاجلة والملحّة التي لا بدّ من إقرارها منعاً لتفويت الفرصة.
في نظر هؤلاء، إنّ «الخطيئة الأولى» ارتُكبت مع عقد جلسات «تشريع الضرورة» والتي لا يمكن قوانينها أن توضع حيّز التنفيذ إذا لم تصدر في الجريدة الرسمية، أي بعد توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
وهنا يُنتظر أن تُرتكب «الخطيئة الثانية» مع توقيع رئيس حكومة تصريف أعمال، على ما يقول المطلعون، ويدافعون عن وجهة نظرهم بالتأكيد أنّ مفهوم تصريف الأعمال غيرُ محدَّد بنحوٍ ضيّق في الدستور ويمكن بالتالي الاستناد إليه لعقد جلسة حكومية محدّدة الأهداف والبنود منعاً للتوسّع في عمل الحكومة وتهدف خصوصاً إلى إدارة أزمة الشغور في السلطة التنفيذية.
وبالتالي، لا بأس إذا توافقت القوى السياسية على ارتكاب هذه «الفعلة» خصوصاً أنها ليست الأولى من نوعها، على ما يقول المؤيّدون. وبالفعل، فقد سبق لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن أقدمت عليها في 27 أيار 2013، مع العلم أنّ رئيسَها تقدّم باستقالته في 22 آذار من العام نفسه. إذ قرّرت خلال جلستها التي عُقدت في قصر بعبدا إجراء الإنتخابات النيابية في 16 حزيران، ووافقت على تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات وتأمين الاعتمادات للإنتخابات، وإعطاء سلفة لوزارة الداخلية بقيمة 22 مليار ليرة لتأمين النفقات الضرورية للانتخابات، والإجازة لوزير الداخلية عقد اتّفاق بالتراضي لطبع بطاقات الهوية والموافقة على استئجار مبنى يخصَّص لهيئة الإشراف على الانتخابات.
على هذا الأساس، بدأت «القوات» مشوارَ جسّ النبض حيال هذا الطرح لإقناع بري والحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بتشكيل لوبي ضاغط قد يساهم في فتح هذا «المعبر الموقت».
لا ينظر المعارضون للخطوة «القواتية» بعين الرضى أو البراءة لا بل يضعونها في سياق حملة تشويه العهد و«تكسير مقاذيفه» لكونها تشرّع الشغور في السلطة التنفيذية وتمدّد آجاله، بدلاً من استعجال المشاورات لتأليف حكومة جديدة.
إلى الآن، يبدو أنّ رئيس الحكومة المستقيلة غيرُ متحمّس أيضاً لهذه الفكرة، ليس من باب رفض المسّ بمقام الرئاسة الثالثة وإنما منعاً للتصادم مع الرئاسة الأولى التي تعتبر أنّ جلسة الضرورة قد تضع الأيدي في المياه الباردة وتُدخل مشاورات التأليف في ثلّاجة الانتظار، ما يدفع الممانعين إلى رفع سقوفهم أكثر.