Site icon IMLebanon

هكذا جمعَت الصدفة برّي و«الكتائب»!

بشَكلٍ غيرِ مسبوق، تلاقَت دعوة الرئيس نبيه برّي إلى الإعلام لتسليط الضوء على النوّاب المقاطعين جلسات التشريع ودعوتهم للنزول إلى المجلس النيابي لينتخبوا رئيساً للجمهورية مع إطلاق حزب الكتائب اللبنانية منذ صباح أمس عبر إذاعة «صوت لبنان» حملةً إعلانية للتشهير بالنوّاب المقاطعين بأسمائهم وتحميلِهم مسؤولية استمرار الشغور في بعبدا. فهل هي الصدفة؟

يُشكك العارفون أن يكون الأمر أكثر من صدفة، فرئيس مجلس النواب نبيه برّي يواظب بكتلته النيابية «التنمية والتحرير» على حضور جلسات انتخاب الرئيس منذ أن أطلقَ أوّلها بلا تسجيل خروق، وإنْ حالت ظروف أمنية ضاغطة دون حضوره الدائم الى ساحة النجمة. وفي المقابل تواظب كتلة نواب الكتائب على الآليّة عينِها وإنْ غابَ أحد نوّابها، فبسَبب السفر أو لأسباب أمنية تَحدّ من حركته.

لذلك التقى برّي في دعوته هذه وخطوةَ الكتائب الإعلامية والسياسية الجديدة التي بدأت طلائعها أمس بإطلاق حملة «ماراتونية» تسَمّي النواب الـ 34 المقاطعين بالإسم وتُحَمّلهم مسؤولية عدم انتخاب الرئيس على خَلفية أنّ الواجب الدستوري يدعو النواب «الى انتخاب الرئيس بلا إبطاء». وجاءَت هذه الخطوة الكتائبية الجديدة كمحطة في مسار سياسي وإعلامي جديد بناءً لرغبة قيادية حزبية لمحاكاة الشغور الرئاسي.

لذلك لم يعُد هناك حَرَج في الربط بين توَجّه برّي والكتائب، فلِخُطوتَيهما ما يُبرّر التلاقي بينهما في مكان ما. فهما في الموقع عينِه الرافض عدمَ توفير النصاب لانتخاب الرئيس. وإنْ اختَلفا على مقاطعة الكتائب جلسات التشريع فإنّ الكتائب كانت واضحة منذ أشهر وأبلغَت إليه منذ بداية مشواره الساعي إلى التشريع أنّ كتلتَها النيابية لا يمكنها قبول التشريع تحت أيّ مسمّيات لجَأ إليها بعض الكتل النيابية لإقرار بعض القوانين الضرورية، وربطت مشاركتَها بالقوانين التي تتّصل بانبثاق السلطة ولم تُغيّر في موقفِها. مع العِلم أنّها أكّدت أكثر من مرّة أنّها لن تعوق تأمين النصاب للبَتّ بالقوانين، بدليل تغَيُّبها عن جلسة التمديد لمجلس النوّاب ولم تعطّل النصاب، فبقيَت منسجمةً مع نفسِها.

والكتائب لا تفَرّق بين القوانين المتصلة بهذه الصفة الدستورية – أي انبثاق السلطة – وهي ترى أنّ السعي الى قانون جديد للانتخاب يُساوي انتخاب الرئيس، كما بالنسبة الى إقرار الموازنة العامة.

حتى إنّها قبلَت بمناقشة سِلسلة الرتب والرواتب لكنّها اشترَطت يومها البَتّ بها بمادة وحيدة لئلّا يَعتقد البعض أنّ المجلس يُشرّع في غياب مَن له الحق بنقضِ القوانين ورَدّها كما الموافقة عليها لنَشرها في الجريدة الرسمية، وفي حال تطَلّبَ النصاب حضورَهم يحضرون أثناء مناقشة بند السلسلة فقط.

أمّا برّي الذي «طحشَ» أمس في اتّجاه مقاطعي جلسات التشريع فقد ساوى بين الفريقين بلا حرج. فهو صادِق في توجّهه ولديه ما يكفي من الدراسات والتفسيرات القانونية والدستورية التي تقول إنّ المجلس النيابي سيّد نفسِه ويحقّ له التشريع لتسييرِ شؤون الدولة والناس.

لكن في موضوع مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس، قطعَ برّي نصفَ المسافة التي هدفَت إليها خطة الكتائب الجديدة، فوَجَّه التهمة بالتعطيل إلى جزء من النواب المقاطعين. ووَجَّه سِهامَه إلى تكتّل «التغيير والإصلاح» دون غيرِه، وتجَنّب الإشارة إلى نوّاب كتلة «الوفاء للمقاومة» وكتَل أخرى تشملها التهمة عينها. لكن ما مِن لبيب إلّا ويَفهم ما قصَده برّي، وهو الذي لفتَ أكثر من مرّة وصولاً إلى التهديد بحلّ المجلس النيابي أنّ انتخاب الرئيس يوفّر مسلسل الأزمات.

وبناءً على ما تقدّمَ، لا حرَج في أن تتبنّى الكتائب موقفَ برّي، وخصوصاً عندما قال عبر «الجمهورية» مستعرضاً مسيرةَ المقاطعة النيابية: «كان هناك أناسٌ مع تشريع الضرورة وتراجَعوا، وكان هناك أناسٌ مع التشريع العادي وتراجَعوا (التيار الوطني الحر). إنّ سلوكاً كهذا يقود إلى خراب البَلد، وأريد القول صراحةً إنّ على الإعلام تسليط الضوء على كلّ الحقيقة. إذا كانوا يقاطِعون التشريع بحجّة عدم انتخاب رئيس الجمهورية، ويقاطعون الجلسة التشريعية، فلينزلوا إلى المجلس ولينتخِبوا رئيساً».

وختاماً، لا بدّ مِن الإشارة إلى أنّ موقف برّي وخطّة الكتائب الإعلامية يتكاملان بلا أيّ تنسيق مسبَق، فهل سيحصدان شيئاً منها؟