IMLebanon

هكذا تَبخّرت أولويات «جدول أعمال» هيئة الحوار!

لم يُسجّل أيّ من المراقبين للتطورات استغرابه لتجاوز هيئة الحوار الوطني التي تستعدّ لسلسلة خلواتها، جدول أعمالها بنقاطه السبع وفق الأولويات. فكلّ الملفات السياسية والعسكرية والبيئية باتت على الطاولة، وضاعت أولويّاتها بين انتخاب الرئيس أو قانون الانتخاب. لذلك طرح السؤال عمّا يمكن أن تُنتجه الهيئة ما لم تُغيّر الأطراف المتحلّقة حولها من مواقفها؟ وما الذي سيتغيّر؟

يجزم أحد الأقطاب المشاركين في أعمال الحوار أنّه لم يتلمّس الى الأمس أيّ تعديل في المواقف الأساسية، وإن تغيّرت لهجة البعض أو لغته على الطاولة. فالأساس الذي يتحكّم بمواقف الجميع، المفروزة على النحو التقليدي الذي لم يتبدّل، ما زال على ما كان عليه قبل المبادرة وبعدها.

فالخلاف على أولوية الإستحقاق الرئاسي أو اللجوء الى انتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون جديد للإنتخاب دخل مرحلة من الجدل البيزنطي توسّعت فيه الآراء التي تلبّست من القانون والدستور بعضاً من مفرداته وغاصَت في السياسي منها استناداً الى أعراف لم يقاربها الدستور يوماً.

ومن هذه المنطلقات اضطرت الهيئة، وبغية ملء الوقت الضائع، الى مناقشة جدول أعمال آخر خارج البنود السبعة التي استندت اليها الدعوة الرسمية. فالجلسة الأولى، وبعد استعراضها لهذه النقاط وتسجيل المواقف الثابتة منها، تحوّلت تلقائياً الى ما يشبه النقاش في الأوراق الواردة في أول جلسة عادية قبل ان تبحث في طريقة مقاربة مَلفّي الحراك الشبابي والوضع الأمني الناجم عنه وملف النفايات تحضيراً لجلسة يتيمة دعا اليها رئيس الحكومة تمام سلام يومها.

وجاءت الجلسة الثانية لتُقارب بندَي انتخابات الرئاسة والانتخابات النيابية من جدول الأعمال، لتنتقل الى النقاش في سبل تنفيذ خطة اللجنة المكلفة ملف النفايات برئاسة وزير الزراعة اكرم شهيّب، فأفرزت لها ما يكفي من الوقت لمناقشتها وتوفير الدعم لها.

أمّا الجلسة الثالثة التي قاربَت البندين نفسَيهما، فقد انتقلت سريعاً الى البحث في آلية العمل الحكومي وأسباب الشلل الحكومي والتعثّر في انطلاق هيئة الحوار في بنود جدول أعمالها، وتوسّع الحديث الى التأخير الحاصل في حسم المواقف ممّا هو مطلوب في انتظار ما سيُنتجه الحراك الدولي في سوريا وانعكاساته على الداخل اللبناني وصولاً الى لقاءات نيويورك التي يستعدّ لها سلام وفريق عمله الديبلوماسي والسياسي والإقتصادي، وآليّة العمل في الهيئة الى أن توصّل الرئيس بري الى دعوة أعضائها الى سلسلة الخلوات المقررة في 6 و7 و8 وتشرين الأول المقبل.

ثمّة من همَس في آذان البعض من أطراف هيئة الحوار مُبشّراً بأنّ برّي، الذي تيقّنَ من عودة جميع الأطراف الى الطاولة ومنهم العماد ميشال عون، يستعد لمبادرة ما ستقود النقاش الى ما هو عملي أكثر من النظري.

وهو سيَجهد بأن تتحوّل الخلوات المرتقبة مسلسلاً من الخلوات المكثفة التي يمكن أن تبحث في الإنتخابات الرئاسية مباشرة بغية حسم الجدل، ومواصفات الرئيس المطلوب في هذه الفترة وصولاً الى الحاجة للبَتّ بالخيار المقبل، فإذا لم يتمّ التوافق على بند انتخاب الرئيس ينتقل البحث الى قانون الإنتخاب، وفي حال الفشل أيضاً قد ينتقل البحث الى طريقة تفعيل العمل الحكومي والبحث في الدورة العادية المقبلة لمجلس النواب لعلّها تشهد جلسة تشريعية تناقِش بعض القوانين المهمة ويؤجّل البحث في الاستحقاقين الرئاسي والنيابي معاً ما لم تتوحّد الرؤية من أيّ منهما.

على هذه الخلفيات، وانطلاقاً ممّا شهدته جلسات الحوار الثلاث، ترى مصادر سياسية أنّ الوعد الذي قطعه برّي ومعه سلام لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل بالسّعي الى عقد جلسة لمجلس الوزراء قبل سلسلة الخلوات، سَجّل عليهما ديناً مسبقاً.

فالحكومة مدعوّة الى اجتماع في 1 أو 2 تشرين الأول المقبل، ما سيعطي مؤشراً لطريقة تعاطي المقاطعين مع خلوات الهيئة بعد البَتّ بآلية العمل الحكومي.

فإن تصرّفوا سعياً وراء إجماع حكومي مفقود يكون هناك أمر ما قد تغيّر. لكنّ ذلك يبدو صعباً بعدما ربط عون في موقفه الأخير بين التأخير في البتّ بالترقيات العسكرية لبعض العمداء الى رتبة لواء، والعمل الحكومي طالما أنّ أيّ تفاهم على هذه الترقيات لم يحصل، فهذا يعني أنّ الحكومة لن تعود الى العمل بكامل مكوّناتها، وستكون الجلسة، إذا عُقدت، عرجاء لن توفّر مخرجاً أو تفاهماً لأيّ من البنود التي يمكن أن تناقشها.

أمّا وبعد، وفي حال تعثّرت انطلاقة الحكومة فإنه سيكون من الصعب أن تشهد هيئة الحوار تقليعة مماثلة. فالأمور باتت مرتبطة ببعضها وتدور في حلقة مفرغة، وليس هناك ما يؤشّر إلى أنّ أحداً من أصحاب النظريات المتناقضة سيُسجّل أيّ انتصار، وعندها ستعود الهيئة الى الدوران على نفسها وبالعناوين والمواقف إيّاها، وهو ما لا يُبشّر بالخير.