IMLebanon

هكذا نكافح الارهاب

في قراءة هادئة لجريمة برج البراجنة، وبعيداً من الغوغائية السياسة والإصطفافات العامودية التي لن تأتي إلّا بمزيدٍ من الكوارث علينا، لا بدّ لنا من القول إنّ بداية مسار مجابهة الإرهاب بشكل فعال تكون بخطة واحدة ومندمجة على المستويات السياسية، والعملانية، والتكتية.

على المستوى السياسي يجب المبادرة فوراً الى حوار وطني عقلاني لإيجاد عقد وطني جديد ومنتج، حوار يجب أن يقوم به المجتمع المدني والأكثرية الصامتة، وليس أمراء الحرب والفساد. على المستويَين العملاني والتكتي، لا بدّ لنا من مركز وطني لمكافحة الإرهاب يدمج عمل ووسائل وقدرات الأجهزة الأمنية العاملة في هذا المجال.

بداية لا بدّ من التوضيح أنه لم ولن يكون أبداً من أمن مطلق ومؤمّن بدرجة مئة في المئة. ولا يمكن الوصول إلى هكذا نتيجة مهما بذلت الأجهزة الأمنية من إمكانات ووسائل.

فقد كُتب علينا العيش والتواجد في مرحلة من تاريخنا، تُجبرنا على التعامل مع هذا الواقع الأليم وخوض حرب شرسة مع هذه الظواهر الإرهابية من حولنا. وكلما أدركنا هذا الواقع، كلما إقتربنا من تشخيص حقيقي للوضع الذي نحن فيه اليوم، وكلما إقتربنا من وضع الحلول والخطط الواقعية التي تسمح بهزيمة الإرهاب.

الواقع الآخر الذي يجب أن ندركه، هو عدم إمكانية الإرهاب أن ينتصر من خلال عملياته الدموية، انما ينتعش ويصل الى أهدافه من خلال ردات فعل الأنظمة والدول والشعوب والمجتمع على إجرامه، وما يَجرُها إليه من خيارات سياسية وأمنية وإجتماعية وقانونية سُرعان ما تستنزف قِيَمها وإمكاناتها المادية والسياسية والمعنوية والإجتماعية والدبلوماسية.

وكلما أبرز الاعلام تفاصيل أيّ عمل إرهابي، كلما أصاب الإرهاب كلّ المستويات في الصميم. وكلما تسارعت وسائل الإعلام والدول الى تغطية العمل الإرهابي، كلما حقق الإرهابيون مبتغاهم. وكلما تقاذف سياسيونا التهم بحسب إصطفافاتهم العامودية، كلما إنتصر الإرهاب.

لا يمكن اليوم مواجهة الإرهاب إلّا من خلال عمل مُندمج للأجهزة الأمنية. ونُصِرّ هنا على كلمة عمل مندمج. فالتنسيق لم يعد يكفي. بل يجب التكامل والإندماج في توزيع وتبادل المعلومات، وفي مجال تسخير الإمكانات العملية والتكتية لمحاربة الإرهاب، وفي قرارات إستباقية لضربه قبل حدوثه، وفي ردات الفعل المحضرة سلفاً، وفي التحقيقات واستخلاص العبر. من هنا، لا بديل عن إنشاء مركز وطني لمحاربة الإرهاب.

ولأنّ السلطة تفسد، يجب وضع هذا المركز في يد السلطة التنفيذية وتحت رقابة وإشراف لجنة برلمانية لمكافحة الإرهاب تكون صغيرة جداً للمحافظة على سرّية وسرعة القرارات.

ويجب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، مسلّمين أمننا الى المسؤول المحترف، المؤسساتي، الذي يستطيع بلورة رؤيا بعيدة، وإستراتيجيات لتحقيق هذه الرؤيا، وبناء الخطط والوسائل لترجمة هذه الإستراتيجيات، ومعالم تَحَقُق من سير هذه الإستراتيجيات لإعادة تقويمها بإستمرار. إنّ ذهنية جهاز أمني لكلّ طائفة، وتعيين المحسوبين على السياسيين في أجهزة أمنية هو جريمة بحق وطننا وأولادنا. لأنه عندها يدين بالولاء الى الشخص أو الطائفة التي ذكّته.

ولا تقتصر الوسائل والسياسات التي نتكلم عنها على الجانب الأمني منها، بل يلعب التعليم والتثقيف في المدارس والجامعات ودُور العبادة والإعلام الدَور الرئيس في مكافحة الإرهاب. «فمعالم سيد قطب على الطريق» تُهزَم في التعليم والتثقيف والتوعية قبل هَزمها في مطار شرم الشيخ أو في الضاحية الجنوبية.

في مقاربة هذا الإعتداء الإرهابي، نطمح ونعمل لكي لا تتحوّل الجريمة نصراً يُطوِّع من خلاله التكفيريون أبرياء جدداً من شبابنا، وعذراً يستعمله اللاعبون الإقليميون والدوليون لمقاتلتنا كدولة وكشعب بعد تصنيفنا كإرهابيين أو كداعمين للإرهاب.

ويُهزم الإرهاب أيضاً في الإصلاحات السياسية والإجتماعية في نظامنا اللبناني. وهنا ندعو إلى مؤتمر وطني لبلورة عقد إجتماعي جديد ومنتج. ونصرّ على كلمة منتج لأننا نعتقد أنّ الإنتاجية تقرّبنا أكثر فأكثر من بعضنا وتنقلنا من التعايش (Coexistence) إلى الموالفة (Convivialité)، كما يقول صديق لي. ويجب طرح الهواجس بكلّ مصداقية. فعلى الجميع معرفة هواجس المخاطر الوجودية لبعض مكوّنات الوطن وإيجاد أفضل المنظومات للتعامل معها.

وعلى الجميع معرفة أنّ حقوق الوطن والمواطنة والمواطنين لا تكون إلّا بنظام سياسي مبني على فصل وتوازن السلطات، وبحكم القانون، وبأنّ اللامركزية هي السبيل الوحيد الى الحوكمة المحلية الفعالة والمنتجة. فلا سبب لكي ينتظر إبن النبطية إبن كسروان لإزالة القمامة من أمام منزله.

عندما ينتصر لبنان على نفسه، يَسقط حكماً الإرهاب وتُوحَّد الطاقات والوسائل والإمكانات لملاقاة الأطماع الإقليمية والإرهابية وهزمها. ومن شأن هذه الخيارات إعادة ثقة اللبنانيين في أنفسهم، وإعادة ثقة المجتمع الدولي بنا وبنهائية وجود لبنان.

إنّ ربط بلادنا بما يحصل في سوريا وشلّ الدولة حتى نهاية الأزمة السورية قد ينهي سببية وجدلية وجود لبنان لدى المجتمع الإقليمي والدولي. ويجب ألّا ننسى أنّ سلاح المهجّرين يُستعمل، وبذكاء، من النظام السوري لضرب لبنان ديموغرافياً على المدى البعيد.

إن أيَّ عمل خارج هذا الإطار الواقعي هو إنتحار، وإنّ متابعة تدمير بلادنا ومؤسساتها لن يخدم مصلحة أيّ فرد أو مذهب في لبنان. «داعش» اليوم لديها وجه وعنوان ورقم هاتف، كما يقول توماس فريدمان، وبالتالي يمكن مواجهتها.

لنواجهها سويّة قبل تحوّلها منظمة شبح، من دون وجه وعنوان ورقم هاتف، تصبح عندها مختبئة في المخيمات الفلسطينية، في أولادنا، في شوارعنا وفي قاعات دراسة أولادنا وأمكنة العبادة. عندها تصبح مهمتنا مستحيلة.