كان من المفترض أن يقفل ملف الإرهابي محمود أبو عباس بالأمس. ولكن وكيل الدفاع عن ابن «كتائب عبدالله عزام» (أحد أخطر الموقوفين بتهمة إدخال انتحاريين وسيّارات مفخّخة إلى لبنان)، طلب الاستمهال في المرافعة إلى جلسة لاحقة.
ومع أن الملف قد انتهى باستجوابه سابقاً، إلّا أنّ «محمود العطّار» (محمود أبو عباس) قرّر فتح ملفّه مجدّداً ليُعاد استجوابه حينما سأل بـ «سذاجة»: «بدي أعرف شو قايل (خلال التحقيق معه)».
قرّر رئيس المحكمة العسكريّة العميد حسين عبدالله سحب الملف ليُعيد على مسمعه تفاصيل كثيرة رواها الموقوف في إفادته الأوليّة، حينما ذهب إلى سوريا بمعاونة محمود ياسين الملقّب بـ «أبو دجانة» وانتمى إلى «لواء أحرار الشام»، وهناك التقى بالقياديين في «كتائب عبدالله عزام» ماجد الماجد وسراج الدين زريقات من دون أن يتحدّث معهما مباشرةً.
وبعد فترة وجيزة، قرّر محمود أبو عباس العودة إلى لبنان. سرعان ما تواصل معه زريقات طالباً منه الانتقال إلى جرود عرسال للقائه. وبالفعل، سارع الرّجل إلى ملاقاة شخص ملقب بـ «أبو طلحة» في عرسال، أقلّه ملثماً إلى مكانٍ التقى فيه زريقات منفرداً.
بصراحة، فاتح «الشيخ اللبناني» أبو عباس بالمهمّة: نقل انتحاريين وسيارات مفخّخة من عرسال، بالإضافة إلى استطلاع أماكن في الضاحية الجنوبية بغية استهدافها والاختيار بين ثلاثة: «مسجد القائم» و«ملعب الراية» و «مجمّع سيد الشهداء».
وبعدما استطلع أبو عباس هذه الأهداف مع رضوان خروب، استقرّ الرأي على استهداف «مسجد القائم» بانفجار مزدوج، فيقوم الانتحاري الأول الذي يُدعى «أبو أحمد» بالاقتراب بسيارة «نيسان مورانو» من المسجد ليفجّرها، وما إن يتجمهر النّاس حتّى يقوم الانتحاري الثاني الذي يقود سيارة «مرسيدس 300» بيضاء اللون بتفجير السيارة.
وعليه، زوّد زريقات «محمود العطار» (أبو عباس) برخصتَيْ سوق مزورتين للسيارتين، وتولى تعليمه القيادة تمهيداً لنقل السيارتين اللتين ركنهما أمام منزله في مجدل عنجر، بالإضافة إلى تزويده بهاتف من نوع «نوكيا» وشريحة حفّظت عليها 3 أرقام هاتفيّة فقط: الأوّل رقم أبو عباس، والثاني والثالث للانتحاريين.
نفّذ محمود أبو عباس مهمّته بعناية، فاستقبل الانتحاريين بعد أن تمّ توقيفهما بسبب أوراقهما الثبوتية ثم أتى بالسيارتين، لينتقل إلى دوره التنفيذي. ونجح «العطار» بنقل «المورانو» والانتحاريّ الأوّل من مجدل عنجر إلى صوفر، ليعمد بعدها الانتحاري إلى قيادة السيارة نحو بيروت، حيث سينتظر أبو عباس الذي سيقوم بنقل الانتحاري الثاني من منزله مع السيارة.
ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان. ففي طريقه من مجدل عنجر إلى بيروت، علم أبو عباس أن «أبو أحمد» لم يتمكّن من التوجّه نحو العاصمة بل شكّ بأمره وغيّر مساره ليقوم بتفجير نفسه بحاجز ضهر البيدر، حيث استشهد المؤهل أوّل محمود جمال الدين.
سريعاً، حاول أبو عباس تغيير المخطّط وأعلم زريقات أنّه من الأفضل الاستعاضة عن «مسجد القائم» باستهداف مكان آخر كان قد استطلعه مع خروب: مقهى في الطيونة حيث يجتمع فيه عدد من الشباب وذلك أثناء مشاهدة «المونديال». وهذا ما كان، إلّا أنّ الخطّة لم تنجح حينما شكّ به المفتش ثاني في الأمن العام عبد الكريم حدرج الذي استشهد بعدما فجّر «أبو علي» نفسه.
كلّ ذلك أنكره أبو عباس أثناء استجوابه، أمس، حتّى أجابه العميد عبدالله: «هل ترفض لمجرّد الرفض. كل ما رويته في إفادتك هو وقائع وحقائق دامغة»!
في الجهة الأخرى كان هناك مَن يستمع إلى أبو عباس وهو ينفي التّهم الموجهة إليه، ولمّا حان دوره، لم ينكر أركان ج. أن أبو عباس حاول تجنيده لينضمّ إلى «كتائب عبدالله عزام» عارضاً عليه نقل انتحاريين وسيارات مفخّخة مقابل المال، فيما ظنّ الشاب أن «العطّار» يمزح.
ولمّا سئل أبو عباس عن الأمر، قال: «هذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها أركان ج. يقول ذلك ولا أعرف لماذا يقوله لأنه غير صحيح». في حين أنّها ليست المرّة الأولى التي يؤكّد فيها أركان ج. هذه الواقعة، بل اعترف بها في جلسة سابقة وعلى مرأى من أبو عبّاس!
ملائكة التلي والحجيري
وفي «العسكريّة» أيضاً، حضرت ملائكة أمير «النصرة» في القلمون «أبو مالك التلي» ومصطفى الحجيري (أبو طاقية) ورامي المصري المتّهم بقتل العسكري الشهيد محمد حمية، من دون أن يظهرا، واكتفى قلم المحكمة بالإشارة إلى عدم العثور عليهم، فيقرّر محاكمتهم غيابياً لاحقاً. في الجهة المقابلة كان محمد الحجيري المعروف بـ «كهروب» يقبع خلف القضبان، فيما وقف في الوسط علي اللقيس المتّهم بقتل العسكري الشهيد علي البزال.
وقد أرجئت الجلسة التي يلاحق بها هؤلاء مع آخرين بتهمة تفخيخ سيارتين كانتا تستهدفان سرايا طرابلس والضاحية، واتخاذ قرار الهجوم على الجيش في عرسال وإعدام العسكريين بالإضافة إلى قتل وخطف عسكريين آخرين والاستيلاء على أسلحتهم وأعتدتهم.
كما أرجأت «العسكرية» جلسة الضابط في الجيش السوري اللواء علي مملوك إلى 3 تموز المقبل، بسبب «عدم رجوع ورقة جلبه بواسطة «ليبان بوست».