حين يُسجن البلد في «قفص الإرباك»
هكذا نجح «الجنرال» في هزّ «عرش الجمود»
مخطئ من يظنّ أن ميشال عون أُكْرِه على النزول الى الشارع، وأنه فعلها لانعدام الخيارات أمامه، فوطأ «الأرض المحرمة». على العكس، تنتعش عروق الرجل حين يقف على المنبر مشاكساً غير مهادن. تتغلب روحه الثورية على منطق الحسابات والربح والخسارة، فلا يعود يحسبها على الطريقة التقليدية، لا بل من منطلق المعارك المبدئية التي لا تحتمل الضبابية ولا الرمادية في الألوان: إما أبيض وإما أسود.
ويكفيه أن يتخيّل هذا المشهد بشكله الكليّ، كي يزيد من «دوز» اعتراضه ويضحك في سرّه وأمام من حوله:
– رئيس الحكومة تمام سلام مربك في كيفية التعاطي مع جلسة اليوم الواقفة على حافة الهاوية. اي دعسة ناقصة قد تطيّر «وليدته المعطوبة»، وأي تقصير من جانبه قد يعرضه لظلم ذوي القربى تحت عنوان الانتقاص من صلاحيات رئاسة الحكومة. لا مفرّ من البحث عن مخرج يقيه بركان الرابية أولاً، وغضب المتحمسين لتجاوز المطالب العونية ثانياً.
ولكن حتى الآن، لا مخارج لائقة بين المنزلتين.
– وليد جنبلاط يستعجل للاتصال بالرابية مع «طلوع الضو» ليوضح لجنرالها موقفه بالتمام والكمال من ملف التعيينات الأمنية والعسكرية، وبأنّه لم يناور في محاولاته لإيجاد صيغة توافقية ترضيه وترضي الآخرين، وبأنه لا يتحمل مسؤولية المأزق الذي بلغته المشاورات بفعل تعنّت الفريق «الأزرق».
وهو بهذه الخطوة، تقصد فصل مساره عن مسار صديقه «أبو مصطفى»، الذي يحمله البعض مسؤولية دفع تمام سلام باتجاه «تفعيل» العمل الحكومي تحت عنوان «الميثاقية» غير المنتقصة بفعل التمرد البرتقالي.
– تنأى معراب بنفسها عن «الاشتباك» في الشارع، خلافاً للتجربة السابقة، لا بل تلتزم السكون نهائياً، وتترك المنبر للبرتقاليين، من باب الحرص على «ورقة النيات» وعدم تخريب المسار الثنائي الذي قطعته، مع أنها تدرك تمام الادراك أنّ عودة ميشال عون الى أرض المعركة، المكان المحبب الى قلبه، سيساعده على استنهاض الجمهور المسيحي وتعبئته لصالحه، وطبعاً على حساب الآخرين.
– يقصد وزيرا «حزب الله» قصر بسترس للبحث مع حلفائهم في «تكتل التغيير والاصلاح» في التطورات، في اشارة هي من باب تأكيد المؤكد أنّه في حال تمّ زرك الضاحية الجنوبية في خانة الاختيار الصعب بين الحكومة التي تريدها حية ترزق لأنها آخر فتات المؤسسات الدستورية، وبين ميشال عون حليف الأمس واليوم والغد.. فهي حكماً ستختار ميشال عون. وهذا الأمر لا لبس حوله ولا يمكن لأي فريق ذهب بعيداً في تخيلاته، اللعب على وتره.
هكذا يحسبها ميشال عون. يعرف جيداً أنّه قادر على ارباك المشهد الداخلي، حتى لو كان ثمة قرار اقليمي بتجميده تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار الداخلي. لكنه عملياً نجح في هز «عرش الجمود» المستوطن في البلد وكذلك الـ «ستاتيكو» القائم، من دون أن يعني ذلك أن أفق التفاهم متاح، أو امكانية ترقيع اتفاق اللحظة الأخيرة، قائمة. كلا الاحتمالين غير مطروحين أبداً، لا بل غير متوفرين.
لقد تبيّن أنّ الفريق الآخر، وتحديداً «تيار المستقبل»، لم يقدّر جيداً ردة فعل ميشال عون، لا بل راهن على أن الجنرال الثمانيني خسر الكثير من وزنه الشعبي ومن حماسته كما حماسة ناسه على استخدام سلاح الشارع الأبيض. ولهذا أصر على زركه في الزاوية اعتقاداً منه أنّ لغة التهديد والوعيد لن يكون لها أي استثمار في الشارع، ولن يكون بمقدور الرابية تغيير قواعد اللعبة كما يخيّل لجنرالها.
ولكن إذا كان الرجل عاجزا عن فرض أجندته على بقية القوى، بفعل الاعتبارت الاقليمية، وتحديداً السعودية التي حالت دون تقدم حلفائها اللبنانيين بأي تنازل من شأنه أن يساهم في صياغة اتفاق محلي.. فإنه بلا شك قادر حتى اللحظة، على استخدام حق الفيتو، أي التعطيل.
هكذا، أحرج ميشال عون الجميع بأخذهم الى أمام حائط مسدود. لم يعد وحده هو من يواجه المأزق المقفل، لا بل صار الجميع، ومعهم البلد، في «قفص الإرباك».
بات جلياً أن «المستقبل» يرفض التراجع خطوة الى الوراء، لا بل يريد من رئيس الحكومة أن يتمسك بصلاحياته في تحديد جدول أعمال الجلسة الحكومية، وأن يسقط خيار تأجيل الجلسة تحت وطأة الضغط. أقصى ما يمكن القبول به هو تحويل مسار النقاش، من البنود الواردة ضمن جدول الأعمال الى اعادة دراسة آلية اتخاذ القرار… أما البقية فلا تزال في علم الغيب.