Site icon IMLebanon

هكذا أعاد المرّ الهيبة الى الدولة والسلطة والبلدية… والمتن

 

لم تأتِ الزعامة الى ميشال المر مصادفة او من فراغ، وإنما بناها مدماكاً مدماكاً وخدمة خدمة، منذ انتخب نائباً للمرة الاولى العام 1968. وما انقطع عن التواصل مع اهله وقواعده ومناصريه حتى في أقسى الظروف. يبادلهم الثقة بالثقة والوفاء بالوفاء، وإذا بحثت بين الكبار وجدته في الطليعة، واذا عزّت الصداقات كان الصديق الأوفى، واذا ندرت الشجاعة حمل دمه على كفه لبناء مشروع الدولة في وجه الميليشيات الذين حاول بعضهم اغتياله بتفجير موكبه في أنطلياس لتنقذه الإرادة الإلهية.

حالفته او خاصمته، لا تستطيع الّا أن تعترف بأنه رجل دولة لم تتلطّخ يده بنقطة دم، صنع نفسه بنفسه، وصنع ما ملأت يداه من نهضة إنمائية وإعمارية وبلدية. لقّب بصانع الرؤساء، وعاصر رؤساء الدول والحكومات والمجالس، واصبح جزءاً من تاريخ لبنان.

يهوى ميشال المر ملاعب النضال، وها هو اليوم في كامل خبرته وحنكته وحماسته ليكمل ما أنجزه خلال اكثر من خمسين سنة من اجل المتنيين واللبنانيين، غير آبه بما حيك من تحايل لإلغائه، ولا حاقد على مذنب في حقه، ولا هياب لشائعات أو استطلاعات مفبركة.

ما هزّته عاصفة وما انكسرت له شوكة، هو «الانسان» في العائلة و»الانسان» مع الشعب وفي العمل الاجتماعي، شَكّل علامة فارقة في الحياة السياسية اللبنانية، ولولا ميشال المر لكانت اختلفت أمور كثيرة لا سيما في المتن، ولولا وقوفه الى جانب أبناء المتن لكان هناك واقع آخر…

صمد المرّ وزيراً لعشر سنوات متتالية، وهو رقم قياسي لم يسجله سياسي في لبنان… فتولى حقائب وزارية أساسية في تسع حكومات منذ العام 1969، وبقي نائباً لرئيس مجلس الوزراء لمرحلة طويلة ومهمة في تاريخ لبنان.

كتائب المرّ                                                             

تعرّض ميشال المر للظلم والنفي الى الخارج من 16 كانون الثاني 1986 وحتى 1990 لأنه كان يحمل مشروع إنهاء حال الحرب، غير انه لم ينتقم يوم عاد الى وطنه ومنزله، بل على العكس أعاد المسيحيين الى الدولة والى الشرعية، ولم يسأل عن الهوية السياسية لمضطهد او معتقل بعد حرب «الاخوة» بل سارَع الى التدخّل للافراج عن العسكريين والشباب الموقوفين وإعادتهم الى أهلهم وقراهم مرفوعي الرأس، حتى باتوا يعرفون بـ«كتائب المرّ».

أعاد ميشال المرّ الهيبة الى وزارة الداخلية يوم أسندت اليه حقيبتها، فعادت اليها السلطة والقانون ووضعَ برنامجا متكاملا لقطاعات الوزارة كافة وترأسَ 114 لجنة وزارية، وشارك في مجلس وزراء الداخلية العرب وفي الشؤون البلدية والقروية، فكان رائداً في إحياء العمل البلدي مالياً وإدارياً.

عمل ميشال المر على إصدار بطاقة الهوية اللبنانية الجديدة بعد اكثر من عشرين عاماً على توقّف إصدار الهوية، وأطلق النهضة البلدية وأعطى البلديات دورها في القرى من خلال إجراء أول انتخابات لها منذ 30 عاماً، وعمل على توسيع حريتها وصلاحيتها في العمل ودعمها سياسياً ومالياً، وتمكّن من مَكننة لوائح القيد في لبنان ومصلحة تسجيل السيارات.

إنجازات المر كثيرة، ومن أبرزها مشروع قانون اللامركزية الادارية ومشروع القانون الجديد للجنسية، كما تمكّن من إيجاد حل لمشكلة السير في بيروت الكبرى من نهر الكلب الى خلدة مع كل مداخل بيروت، بواسطة مشروع النقل الحصري لبيروت الكبرى الذي يقضي بإنشاء جسور وإنشاءات وكاميرات وعدادات في بيروت وضواحيها بموجب قرض من البنك الدولي بقيمة 115 مليون دولار. وهذه الإنجازات الكثيرة والثمينة هي التي أبقَت ميشال المر وزيراً للداخلية من العام 1994 لغاية العام 2000.

في وزارة المواصلات السلكية واللاسلكية أحدثَ أبو الياس ثورة تكنولوجية في حينها، إذ حوّل السنترالات من بدائية الى إلكترونية كما أنشأ 35 مبنى للمراكز الهاتفية وشبكة إلكترونية للبنان.

ويوم تولى حقيبة الاسكان والتعاونيات أوجَد ابو الياس حلاً لأزمة السكن التي كانت تهدد بمشكلة إجتماعية كبيرة في ذلك الوقت، فخَطّط لمشروع الـ 20 ألف وحدة سكنية ووضعها موضع التنفيذ، وما زال «طابق المر» يحمل اسمه حتى اليوم بعد مرور اكثر من ثلاثين سنة على إيجاده، كما أنشأ الأسواق الشعبية والتعاونية.

المرّ والدفاع                                              

عندما تسلّم ميشال المر حقيبة الدفاع كان البلد يعيش في اخطر مراحله بسبب الحرب، فتولى حل الميليشيات، وهو ما كان يبدو مستحيلاً في ذلك الوقت، وكاد ان يدفع حياته ثمناً لإقفال ملف الحرب وحل الميليشيات يوم استهدفه تفجير سيارة مفخخة في أنطلياس، لكنه لم يتردد ولم يتراجع عن إعادة بسط سلطة الدولة.

الوفاء

ميشال المر محنّك في السياسة وخبير في الانماء ولكنه شغوف الى حد الادمان في خدمة الناس، ولعل هذا ما يفسّر حصوله على 44 ألف صوت في الانتخابات النيابية عام 1996، و48 ألف و662 صوتاً في الانتخابات النيابية عام 2005. وهذان الرقمان يشكّلان نسبة 70 في المئة من اصوات الناخبين في المتن الذين بادلوه الولاء والوفاء، وكذلك الامر في آخر انتخابات نيابية عام 2009 لأنه حصل على 48 ألف و953 صوتاً.

لم يَتخلّ «دولته» عن صديق ولا يردّ طالب خدمة. فإذا وعد وَفى وهذا نادر في السياسة. جريء ورجل قرار. يكاد لا يتوقف عن القراءة في السياسة والقوانين والتكنولوجيا والمشاريع الهندسية والانمائية. ذاكرته نعمة من الله، قويّة وحاضرة ويمتاز بسرعة بديهة مميزة إضافة الى حنكة في التعامل مع المسائل الصعبة.

صانع الرؤساء

عايَش دولة الرئيس ميشال المر هموم الوطن من خلال القضايا الكبرى التي تطرح عادة على مستوى القمة في السلطة السياسية والمحافل الدولية. كان الى جانب الرؤساء دائماً صاحب مبادرات وأفكار وحلول، لا بل هَيّأ لبعضهم الوصول الى الحكم، وكان داعماً لبعضهم الآخر للنجاح في الحكم.

وزراء الداخلية العرب

لم تكن مشاركة دولة الرئيس ميشال المر في جلسات مجلس وزراء الداخلية العرب عادية، فكان حضوره فعّالاً ومميزاً، والأبرز نجاحه في إقناع مجلس وزراء الداخلية العرب بتبنّي موقف لبنان الداعي الى التمييز بين الارهاب وبين حق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لأرضه، ما شكّل دعماً معنوياً للبنان والمقاومة سبق الانسحاب القسري للجيش الاسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي، بالإضافة الى مشاركته في وضع اتفاقية الاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب واتفاقية الاستراتيجية العربية لمكافحة المخدرات والجريمة وغيرها.

الياس المرّ: لم يترك الوالد شيئاً لِنُنجزه

في حفل التسلّم والتسليم بينه وبين نجله الياس المرّ رئيس مؤسسة الانتربول حالياً، قال ميشال المرّ انّ «الياس إبن بيت سياسي قائم منذ 40 سنة. ناضَل في هذا البيت بكلّ قواه، والنضال كان متوازناً ومتكاملاً بيني وبينه».

فجاء الرد من الياس المر: «ليس من السهل أن يخلف أحد دولة الرئيس المر في ايّ حقيبة يتولّاها، فإنجازات دولته كبيرة وظاهرة للعيان. هو الذي لم يترك شيئاً لننجزه بعدما أنجَز الكثير والمستحيل في وزارة الداخلية والبلديات».

تحفل مسيرة ميشال المر السياسية بالانجازات على الصعيدين المتني والوطني، حقق في الحقائب الوزارية التي تسلّمها ما لم يحققه الآخرون، وأنجز في النيابة ما لم ينجزه أي نائب آخر… عند اي حاجة يطلبون من ميشال المر، وعند اي خدمة يسألون عنه.

أبو الياس، وهو اللقب الأحبّ إلى قلبه، يتابع مسيرته السياسية ويخوض استحقاق الانتخابات النيابية في 6 ايار 2018، هذا التاريخ الذي سيكون محطة جديدة في المسيرة المجيدة التي رافقَ المر خلالها أبناء المتن الذين أحبّهم حتى باتوا عائلته الكبيرة.

في 6 أيار ستعطي العائلة المتنية ابنها حقه، بعدما يقارن أبناء المتن بين ما فعله ميشال المر في سبيل خدمتهم وبين ما فعله الآخرون.

في 6 ايار، سيحصد ميشال المر ما زرعه على مدى 50 عاماً من الوفاء.

الوفاء بالأفعال لا بالأقوال.