IMLebanon

هكذا نجح حزب الله في تجاوز مطبات الحلفاء والخصوم

بعد ساعات قليلة سيستفيض الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في عرض موقف الحزب من التطورات الرئاسية وكل ما يرتبط بها على الساحة المحلية، شارحا موقف الحزب من الاستحقاق وكل ما يحيطه من عوامل داخلية واقليمية ودولية، وحتى ذلك الحين تبدو استراتيجية «الصمت البناء» المعتمدة من قبل قيادة الحزب ناجحة الى حد كبير بدليل ان الحزب يبدو من اكثر الاطراف ثباتا على مواقفه والاقل استعجالا في ارتكاب «الاخطاء» والاهم انه نجح في تجاوز «مطبات» الحلفاء والخصوم حين حاولوا استدراجه الى معركة لا تعنيه وفي التوقيت الخاطىء…

اوساط قيادية في 8آذار تشرح الامر ببساطة شديدة، وتشير الى ان تصدي البطريركية المارونية للملف الرئاسي واضطرار الكاردينال الراعي الى «النزول» شخصيا الى «الميدان»، اهم دلالة على الحكمة في موقف حزب الله الذي انتصرت معادلته القائمة على ضرورة ان يتحمل الجميع مسؤولية هذا الملف وعدم رمي «الكرة في ملعبه». الحزب قام بما عليه ابتداء وفتح الطريق امام التسوية، وحمل كل طرف مسؤولية القيام بواجباته. اسقط الحزب من يد خصومه تهمة التعطيل الايرانية للرئاسة، وعندما جاء الرئيس سعد الحريري بعرضه المقايضة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية جاءت الموافقة «صادمة» لرئيس تيار المستقبل وفريقه بعد ان احتاج الامر لاقل من خمس دقائق هاتف فيها الحاج حسن خليل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله خلال حوار عين التينة، طبعا لم يراجع السيد المسؤولين الايرانيين،السرعة في الرد كانت «رسالة» واضحة تفيد بان كامل الملف في حارة حريك «وطلعوا» من كل الشعارات الكاذبة التي توهمون انفسكم بها»… هذا الامر نقل الازمة الى «الملعب الازرق» الذي لم يكن مهيئا بعد لهذا الخيار… في هذه المرحلة ادى الحزب المطلوب منه، اعطى «الضوء الاخضر» لحليفه «البرتقالي» للمضي قدما في تفاهماته مع باقي الاطراف، وكذلك اعطى الحريري موافقة «اولية» تسمح له بالانطلاق من «قاعدة» صلبة لتمرير التسوية داخل «المنزل» ولدى «الجيران»… وكان واضحا ان استراتيجية الحزب تقوم على «قاعدة» واضحة لا تقبل اي التباس، «لن نخوض معركة سياسية بالنيابة عن احد» لن نعرقل… سنساعد… ولكن وفق «خارطة طريق» لا يمكن لاحد فرضها علينا، ثمة اولويات لن يحيد عنها الحزب وقد اثبتت الوقائع صحة استراتيجية رهانه على الوقت لتذليل العوائق دون اضرار جانبية هو بغنى عنها…

في هذا السياق ثمة نموذجان يؤكدان صحة هذا الخيار، الاول يتعلق بالحريري نفسه فهو الان امام واقع تحمل مسؤولية تقلباته السياسية التي لم تأت من فراغ، ثمة دماء شهداء بذلت بغزارة في سوريا وعلى الحدود اللبنانية، وفي الداخل ادت الى اسقاط الرهانات على «الثورة» السورية. حزب الله غير معني بابراز هذا المعطى الان لانه لا يريد ان «يفضح» ضعف الحريري، وهو غير معني باستفزاز احد، واذا كان تعثر الاخير ماليا قد زاد من مأزقه فان مشكلته الاساسية تكمن في خسارته رهاناته الاقليمية وضعف موقف المملكة العربية السعودية… ومن هنا فان تسويق التسوية يقع على عاتق رئيس تيار المستقبل المعني الاول في تعبيد «الطريق» امام مبادرته، وهو اليوم امام خيارين ستكون تداعياتهما غير سهلة، تبني ترشيح عون سيؤدي الى «زلزال» داخل تياره السياسي لا احد يعرف حجم ارتداداته ولا اضراره، والتراجع عن التسوية لن تكون اضرارها سهلة ايضا فالامر سيبعده عن رئاسة الحكومة الى اجل غير مسمى في لحظة حرجة يحتاج فيها الى العودة الى الحكم…وهنا اصبحت المعادلة بسيطة للغاية، تراجع الحريري يعني حكما ان السعودية عادت لوضع «فيتو» على عون وهي تتحمل مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية وليس حزب الله الذي وافق مسبقا على منح ممثل السياسة السعودية في لبنان مركز الرئاسة الثالثة على الرغم من انه لا يستحقه…

في المقلب الاخر اثبتت فضيلة «الصمت البناء» ان الرهان على الوقت عامل مساعد على تذليل الكثير من العقبات التي كانت ستكلف الحزب الكثير من الجهد والعناء في ظل مخاطر انفجار الكثير من «الالغام» في طريقه، وهنا الحديث عن النوذج الثاني، «سلة» الرئيس نبيه بري واحدة من الامثلة الواجب التوقف عندها لتأكيد صوابية هذه «المعادلة»، فحجم الضغوط «العونية» على الحزب علنا من خلال تصريحات بعض المسؤولين «المتحمسين»، ومقدمات نشرات محطة «اوتي في» المليئة «بفلسفة» غير مسؤولة، لم تحرك في حزب الله ساكنا وظل متمسكا باستراتيجيته حيال عدم التحرك الجدي باتجاه رئيس مجلس النواب قبل ان يتبلور الموقف النهائي للرئيس الحريري، وقد وصلت الامور باحد عتاة «الدائرة» الضيقة بالعماد ميشال عون واحد ابرز منظريه الرئاسيين الى التلويح بـ «حرب اهلية» اذا ما ضيع الحزب فرصة انتخاب عون؟! وهو ما اثار استغراب من استمع اليه دون ان يترك كلامه «غير المنطقي» اي تاثير في تعديل الخط البياني «الهادىء» الذي يعمل من خلاله الحزب لمواكبة «استدراة» الحريري..

وفي هذا السياق، استطاع حزب الله تجاوز «قطوع» مواجهة «الموجة العالية» التي طرحها بري تحت عنوان «السلة»، المشهد اختلف كثيرا اليوم، وما كان «البرتقاليون» يريدونه من الحزب قام به اصحاب «المصلحة» الحقيقية في ذلك، او بمعنى آخر تولى المهمة اصحاب الشأن انفسهم، ففي اعقاب السجال بين بكركي وعين التينة ومجاهرة البطريرك الماروني باعتراضه عليها، وبعد نداء المطارنة الموارنة، وما تلاه من زيارة للوزير علي حسن خليل الى بكركي، تراجع بري «تكتيكيا» الى خطوط دفاعية بعد ان كان في ذروة اندفاعته لتعطيل مسار وصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح الى قصر بعبدا، فبري فوجئ بالموقف الحاسم في عظة البطريرك الراعي، ولم يكن في حسبانه ان يكون في موقع مواجهة مع الكنيسة المارونية، ولا يقبل ان يذكره التاريخ بانه الرجل الذي يقف في مواجهة تحصيل المسيحيين لحقوقهم، وهو لا يزال يعاني من ندوب الخلاف حول صلاحيات المدير العام لامن الدولة جورج قرعة…

هذا التطور دفعه الى العودة «خطوة الى الوراء» وهو امر يسهل الموقف على حزب الله في «الوقت المناسب»ويفتح الطريق امام نقاش اقل حدة ومنخفض «السقوف» بين الرابية وعين التينة، فالرئيس بري غير قادر على مواجهة الاجماع المسيحي بعد دخول «معراب» و«الصيفي» على خط الرفض، ولا يبدو ان النائب وليد جنبلاط في صدد خوض معركة تحت هذا العنوان الى جانب حليفه «التاريخي»، همه الاول استقرار الجبل، وعدم الدخول مجددا في توتر مع بكركي والرابية ومعراب ،بات «البيك» مقتنعا ان انتخاب عون «ليس آخر الدنيا» وبالامكان التعايش «الصعب» معه في ظل المخاطر المحدقة في المنطقة… طبعا تيار المستقبل ليس في وارد القبول بـ «سلة» سيدفع ثمنها من «جيب» رئيس الحكومة المقبل، اما حزب الله فليس في وارد الصدام مع بري لاي سبب كان، لكنه ليس في وارد مساعدته على «الانتحار السياسي» بعد ان فقدت معركة «السلة» كل مقومات النجاح. وهكذا يمكن لما حصل من تطورات ان يفتح «الباب» امام حوار عقلاني تقع مسؤوليته على عون المطالب بالمبادرة تجاه كل المعترضين على انتخابه، ومنهم رئيس مجلس النواب الذي بات يتصرف «بواقعية» ستؤدي حكما الى تسوية لا يموت فيها «الديب» ولا يفنى «الغنم»… اما الحريري فثمة من نصحه خلال الساعات الماضية «بسرقة» الاستحقاق واستغلال انشغال السعودية «بورطتها» المستجدة في اليمن بعد «الجريمة» المروعة التي ارتكبها طيرانها هناك، حيث من المتوقع ان يزداد موقف المملكة حراجة ويجعلها اكثر بعدا عن الاهتمام بالملف اللبناني..